للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعلم اللدنى الرحمانى هو ثمرة العبودية والمتابعة لهذا النبى الكريم.

- عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم-، وبه يحصل الفهم فى الكتاب والسنة بأمر يختص به صاحبه كما قال على بن أبى طالب، وقد سئل: هل خصكم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشىء دون الناس؟ فقال: لا، إلا فهما يؤتيه الله عبدا فى كتابه. فهذا هو العلم اللدنى الحقيقى. فاتباع هذا النبى الكريم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض النفوس، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين.

ومن علامة محبته: أن يرضى مدعيها بما شرعه، حتى لا يجد فى نفسه حرجا مما قضى. قال الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «١» ، فسلب اسم الإيمان عن من وجد فى صدره حرجا من قضائه ولم يسلم له.

قال شيخ المحققين وإمام العارفين، تاج الدين بن عطاء الله الشاذلى- أذاقنا الله حلاوة مشربه-: فى هذه الآية دلالة على أن الإيمان الحقيقى لا يحصل إلا لمن حكم الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- على نفسه قولا وفعلا وأخذا وتركا، وحبّا وبغضا، ويشتمل ذلك على حكم التكليف وحكم التعريف، والتسليم والانقياد واجب على كل مؤمن فى كليهما. فأحكام التكليف: الأوامر والنواهى المتعلقة باكتساب العباد. وأحكام التعريف: هو ما أورده عليك من فهم المراد. فتبين من هذا: أنه لا يحصل لك حقيقة الإيمان إلا بأمرين: الامتثال لأمره، والاستسلام لقهره.

ثم إنه سبحانه لم يكتف بنفى الإيمان عمن لم يحكم، أو حكم ووجد الحرج فى نفسه، حتى أقسم على ذلك بالربوبية الخاصة برسوله- صلى الله عليه وسلم- رأفة وعناية وتخصيصا ورعاية، لأنه لم يقل: فلا والرب، وإنما قال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ «٢» ففى ذلك تأكيد بالقسم، وتأكيد


(١) سورة النساء: ٦٥.
(٢) سورة النساء: ٦٥.