للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى القسم، علما منه سبحانه بما النفوس منطوية عليه من حب الغلبة ووجود النصرة سواء كان الحق عليها أو لها، وفى ذلك إظهار لعنايته برسوله- صلى الله عليه وسلم-، إذ جعل حكمه حكمه، وقضاءه قضاءه، فأوجب على العباد الاستسلام لحكمه، والانقياد لأمره، ولم يقبل منهم الإيمان بإلهية حتى يذعنوا لأحكام رسوله- صلى الله عليه وسلم-، لأنه كما وصفه به ربه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «١» ، فحكمه حكم الله، وقضاؤه قضاء الله، كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ «٢» وأكد ذلك بقوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ «٣» .

وفى الآية إشارة أخرى إلى تعظيم قدره، وتفخيم أمره- صلى الله عليه وسلم- وهى قوله تعالى: وَرَبِّكَ «٤» فأضاف نفسه إليه، كما قال فى الآية الآخرى:

كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا «٥» فأضاف الحق سبحانه نفسه إلى محمد، وأضاف زكريا إليه ليعلم العباد فرق ما بين المنزلتين وتفاوت ما بين الرتبتين.

ثم إنه تعالى لم يكتف بالتحكيم الظاهر فيكونوا به مؤمنين، بل اشترط فقدان الحرج- وهو الضيق- من نفوسهم فى أحكامه- صلى الله عليه وسلم-، سواء كان الحكم بما يوافق أهواءهم أو يخالفها، وإنما تضيق النفوس لفقدان الأنوار، ووجود الأغيار، فعنه يكون الحرج وهو الضيق، والمؤمنون ليسوا كذلك، إن نور الإيمان ملأ قلوبهم فاتسعت وانشرحت، فكانت واسعة بنور الواسع العليم، ممدودة بوجود فضله العظيم، مهيأة لواردات أحكامه مفوضة له فى نقضه وإبرامه. انتهى.

وقال سهل بن عبد الله: من لم ير ولاية الرسول عليه فى جميع


(١) سورة النجم: ٣، ٤.
(٢) سورة الفتح: ١٠.
(٣) سورة الفتح: ١٠.
(٤) سورة النساء: ٦٥.
(٥) سورة مريم: ١، ٢.