للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: إنى لأعلم أن ما يقوله ابن أخى لحق، ولولا أنى أخاف أن تعيرنى نساء قريش لاتبعته. وفى شعره يقول:

لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... يقينا ولا يعزى لقول الأباطل

فإن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان غير أنه لم يذعن. انتهى.

وحكى عن هشام بن السائب الكلبى، أو أبيه أنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم فقال:

يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه. إلى أن قال: وإنى أوصيكم بمحمد خيرا، فإنه الأمين فى قريش، والصديق فى العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنان «١» ، وايم الله كأنى أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل الوبر والأطراف، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وضعفاؤها أربابا، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصغت له فؤادها، وأعطته قيادها، يا معشر قريش، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسى مدة ولأجلى تأخير لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهى. ثم هلك.

ثم بعد ذلك بثلاثة أيام- وقيل: بخمسة- فى رمضان بعد البعثة بعشر سنين، على الصحيح، ماتت خديجة- رضى الله عنها-.

وكان- صلى الله عليه وسلم- يسمى ذلك العام عام الحزن، فيما ذكر صاعد وكانت مدة إقامتها معه- صلى الله عليه وسلم- خمسا وعشرين سنة على الصحيح. ثم بعد أيام من موت خديجة تزوج- عليه السّلام- سودة بنت زمعة.

ثم خرج- عليه السّلام- إلى الطائف بعد موت خديجة بثلاثة أشهر، فى ليال


(١) الشنان: البغض.