للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطائف ودعاءه إياهم، وأنه لما انصرف عنهم بات بنخلة، فقرأ تلك الليلة من القرآن، فاستمعه الجن من أهل نصيبين.

قال: وهذا صحيح، لكن قوله إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم فى ابتداء الإيحاء، ويدل له حديث ابن عباس عند أحمد قال: كان الجن يستمعون الوحى فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوه حقّا وما زادوه باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أحدهم لا يأتى مقعده إلا رمى بشهاب يحرق ما أصاب منه، فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبعث جنوده فإذا النبى- صلى الله عليه وسلم- يصلى بين جبلى نخلة فأخبروه فقال: «هذا الحدث الذى حدث فى الأرض» «١» .

ورواه النسائى وصححه الترمذى.

قال: وخروجه- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف كان بعد موت عمه.

وروى ابن أبى شيبة عن عبد الله بن مسعود قال: هبطوا على النبى- صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ «٢» .

فهذا مع رواية ابن عباس تقتضى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يشعر بحضورهم فى هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالا، قوما وفوجا بعد فوج. انتهى.

وفى طريقه- عليه السّلام- هذه، دعا بالدعاء المشهور:

«اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، وأنت رب المستضعفين، إلى من


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٣٢٤) فى التفسير، من سورة الجن وأحمد فى «مسنده» (١/ ٢٧٤) ، والطبرانى فى «الكبير» (١٢/ ٤٦) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .
(٢) سورة الأحقاف: ٢٩.