للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما شدة اجتهاده- عليه الصلاة والسلام- ونصبه فى الدعاء، فإنه رأى الملائكة تنصب فى القتال وجبريل على ثناياه الغبار وأنصار الله يخوضون غمرات الموت. والجهاد على ضربين جهاد بالسيف وجهاد بالدعاء، ومن سنة الإمام أن يكون وراء الجند لا يقاتل معه، فكان الكل فى جهاد واجتهاد، ولم يكن ليريح نفسه من أحد الجدين والجهادين وأنصار الله وملائكته يجتهدون، ولا ليؤثر الدعة وحزب الله مع أعدائه يجتلدون. انتهى.

وفى صحيح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب: (لما كان يوم بدر نظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا دخل العريش، فاستقبل القبلة ثم مد يديه، وجعل يهتف بربه:

«اللهم أنجز لى ما وعدتنى» ... فما زال يهتف بربه مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ «١» . مرسل إليكم مدادا لكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «٢» «٣» . أى متتابعين بعضهم فى إثر بعض.

وعلى قراءة فتح الدال معناه: أردف الله المسلمين وجاءهم بهم مدادا.

وفى الآية الآخرى بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ «٤» . فقيل معناه:

إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف. فكان الأكثر مدادا للأقل، وكان الألف مردفين بمن وراءهم. والألف هم الذين قاتلوا مع المؤمنين، وهم الذين قال لهم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا «٥» . وكانوا فى صور الرجال، ويقولون للمؤمنين: اثبتوا فإن عدوكم قليل وإن الله معكم.

وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف.


(١) سورة الأنفال: ٩.
(٢) سورة الأنفال: ٩.
(٣) صحيح: والخبر عند مسلم (١٧٦٣) وقد تقدم قريبا.
(٤) سورة آل عمران: ١٢٤.
(٥) سورة الأنفال: ١٢.