وقد بّوب البخاري في القسمة وتعليق القنو في المسجد، ولم يذكر في الباب صريحا فأشار بذلك إلى ما رواه النسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، وقد علق قنو حشف فجعل يطعم من ذلك القنو، ويقول: لو شاء ربّ هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا.
وأخرج ثابت في الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد، يعني للمساكين. وفي رواية له: وكان عليها معاذ بن جبل، أي على حفظها أو قسمتها راجع الوفاء ص ٣٢٣.
وفي ترجمة والد واثلة بن الأسقع من الإصابة أن أبا نعيم خرّج في الدلائل قال: كنا في الصفة وهم عشرون رجلا، فأصابنا جوع وكنت من أحدث أصحابي سنا فبعثوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشكو جوعهم، وفي المواهب: أنه كان عليه السلام يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه ويبقى طائفة معه، قال الزرقاني: مواساة وتكرما. وفي حديث: أن فاطمة طلبت منه خادما فقال: لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم.
وفي تحفة الناظر للعقباني قال عز الدين: إنما يرخص في المبيت في المسجد لمن لا ينتهك حرمته من الضعفاء، فقد كان أصحاب الصفة يبيتون فيه مع القيام بحرمته اهـ.
ونقل ابن التلمساني على الشفا عن الكشاف: أصحاب الصفة كانوا نحو أربعمائة رجل من مهاجري قريش، لم يكن لهم مسكن في المدينة ولا عشائر، فكانوا في صفة المسجد يتعلمون القرآن بالليل، ويرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس: هؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة، فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا. اهـ.
ولما تكلم الإمام أحمد بن قاسم الصومعي التادلي في كتاب «اللباب في معاملة الملك الوهاب» على أهل الصفة نقل عن قتادة: أنهم لزموه عليه السلام لا يرجعون إلى تجارة، ولا إلى زرع ولا إلى ضرع، يصلون صلاة وينتظرون أخرى اهـ منه.
وفي طبقات ابن سعد أن القراء في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، والفقراء. انظر ص ٧١ الجزء الثالث.
وقال الأستاذ الصالح أبو عثمان سعيد بن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي في رسالته الأنالة العلمية! إن الفقراء المتجردين من الصوفية، هم الذين ورثوا أهل الصفة في الجلوس في المساجد، والرباط والتجرد وقلة التسبب، والناس ينكرون على الفقراء هذه