للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ناحية أموالهم يقال لها بئر انى فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن أخطب دخل معهم حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا أن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وانى عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا بما شئتم منها. قالوا وما هن؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال فإذا أبيتم عليّ هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه وان نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء. قالوا: أنقتل هؤلاء المساكين؟ فما خير العيش بعدهم؟ قال: فان أبيتم عليّ هذه فالليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد آمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا أنفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عنك من المسخ فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما. ثم انهم بعثوا الى رسول الله أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا. فأرسله رسول الله فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرقّ لهم وقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده الى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أنى قد خنت الله ورسوله.

ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله حتى ارتبط في المسجد الى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على مما صنعت. وعاهد الله أن لا أطأ بنى قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا. قال ابن هشام وأنزل الله فيما قال سفيان بن عيينة عن إسماعيل ابن أبى خالد عن عبد الله بن أبى قتادة ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. قال ابن هشام: أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلى ثم يرتبط حتى نزلت توبته في قوله تعالى ﴿وَآخَرُونَ اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وقول موسى بن عقبة انه مكث عشرين ليلة مرتبطا به والله أعلم. وذكر ابن إسحاق أن الله أنزل توبته على رسوله من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة فجعل يبتسم فسألته أم سلمة فأخبرها بتوبة الله على أبى لبابة فاستأذنته أن تبشره فاذن لها فخرجت فبشرته فثار الناس اليه يبشرونه وأرادوا أن يحلوه من

<<  <  ج: ص:  >  >>