للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواضعه، وكان الأحسن «يمرعن» من كثرة الدهن وقوله يلمعن بالضحى، فإن كل شىء يلمع عند طلوع الشمس عليه، وكان الأفصح فيه، يلمعن فى سواد الليل من كثرة الأصباغ، وقوله وأسيافنا جمع قلة، وهذا ليس من مواضعه وكان الأفصح ذكر جمع الكثرة كالسيوف، وقوله «يقطرن» لأن القطرة قليلة حقيرة وكان الأفصح «يسلن» عوض يقطرن، فعرفت بما ذكرناه أن الكلام متى عرى عن استعمال المبالغة كان مذموما نازل القدر، فينحل من مجموع ما ذكرنا هاهنا معرفة ما يقبل فى المبالغة وما يردّ، وما يكون محمودا أو مذموما بما قررناه والله أعلم بالصواب.

[الفائدة الثانية فى ذكر طرق المبالغة]

اعلم أن المبالغة إذا كانت مستعملة فى الكلام مكسبة له رونقا وحلاوة، فلا بد فيها من طريق يوصل إليها، وجملة ما يذكر من ذلك طرق ثلاث:

[الطريق الأولى أن يستعمل اللفظ فى غير ما وضع له فى الأصل]

إما على جهة الاستعارة، أو الكناية، أو التمثيل، على ما سبق تقريره فى الأنواع المجازية، فإنه إنما استعمل فيها على تلك الأوجه من أجل المبالغة فى معناها، فإن قولنا مررت بالرجل الأسد يخالف قولنا مررت بالرجل الشجاع البالغ فى الشجاعة كل مبلغ، وما ذاك إلا لما فيه من المبالغة بكونه مجازا، وكما قال بعض الشعراء فى وصف القرطاس:

ويرى الصحيفة حلبة وجيادها ... أقلامه وصريرهنّ صهيلا

وكقول المتنبى:

بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا «١»

إلى غير ذلك من رقيق الاستعارة وبديعها.

[الطريق الثانية أن ترادف الصفات]

وتكون متكررة لإعظام حال الموصوف ورفع شأنه، ومن أجل

<<  <  ج: ص:  >  >>