أصبحت أذكر أرحاما وآصرة ... بدلت منها هويّ الرّيح بالقصب «١»
أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به، ونهيتكم عما نهيتكم عنه، حملتكم على المكروه الذي جعل الله عاقبته خيرا إذا كان فيه، لكانت الوثقى التي لا تقلع، ولكن بمن؟ وإلى من؟ [أريد أن] أداوي بكم [وأنتم دائي] ؛ إني والله بكم كناقش «٢» الشّوكة بالشوكة، يا ليت لي بعض قومي وليت لي من بعد خير قومي، اللهم إن دجلة والفرات نهران أعجمان أصمان أبكمان، اللهم سلط عليهما بحرك، وانزع منهما بصرك؛ ويل للنّزعة «٣» يا أشطان الرّكيّ «٤» ! [أين الذين] دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحسنوه، ونطقوا بالشعر فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا [وله] اللقاح [إلى] أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها ضربا ضربا، [وأخذوا بأطراف الأرض] زحفا زحفا، لا يتباشرون بالأحياء، ولا يعزّون على القتلى ولا يغيرون على العلي.
أولئك إخواني الذاهبون ... فحقّ البكاء لهم أن يطيبا
رزقت حبيبا على فاقة ... وفارقت بعد حبيب حبيبا!
ثم نزل تدمع عيناه؛ فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون على ما صرت إليه! فقال:
نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون! أقوّمهم والله غدوة ويرجعون إلى عشية مثل ظهر الحية، حتى متي؟ وإلى متى؟ حسبي الله ونعم الوكيل! وهذه خطبته الغراء، رضي الله عنه:
الحمد لله الأحد الصمد، الواحد المنفرد، الذي لا من شيء كان ولا من شيء خلق إلا وهو خاضع له؛ قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال، ولا حدّ يضرب له فيه الأمثال، كلّ دون صفته تحبير اللغات، وضلت هناك تصاريف الصفات وحارت دون ملكوته مذاهب التفكير، وانقطعت دون علمه