للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جوامع التفسير، وحالت دون غيبه حجب تاهت في أدنى دنوّها طامحات العقول؛ فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن؛ وتعالى الذي ليس له نعت موجود، ولا وقت محدود، وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى؛ وهو سبحانه كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته؛ أحاط بالأشياء كلها علمه وأتقنها صنعه، وذللها أمره، وأحصاها حفظه؛ فلا يعزب عنه غيوب الهوى، ولا مكنون صلم الدجى، ولا ما في السموات العلى إلى الأرض السابعة السفلى؛ فهو لكل شيء منها حافظ ورقيب، أحاط بها الأحد الصمد الذي لم تغيّره صروف الأزمان، ولا يتكاءده «١» صنع شيء منها كان؛ قال لما شاء أن يكون: كن! فكان؛ ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولا تعب ولا نصب؛ وكل عالم من بعد جهل يعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم؛ أحاط بالأشياء كلها علما، ولم يزدد بتجربتها خبرا؛ علمه بها قبل كونها كعمله بها بعد تكوينها؛ لم يكوّنها لتسديد سلطان، ولا خوف زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد مناويء، ولا ند مكاثر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد آخرون، فسبحان الذي لا يئوده «٢» خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ، خلق ما علم، وعلم ما أراد، ولا يتفكر على حادث أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، لكن قضاء متقن، وعلم محكم، وأمر مبرم، توحّد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، فلبس العز والكبرياء، واستخلص المجد والسناء، واستكمل الحمد والثناء؛ فانفرد بالتوحيد، وتوحد بالتمجيد؛ فجل سبحانه وتعالى عن الأبناء وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء؛ فليس له فيما خلق ندّ، ولا فيما ملك ضدّ، هو الله الواحد الصمد، الوارث للأبد الذي لا يبيد ولا ينفد، ملك السموات العلى، والأرضين السفلى، ثم دنا فعلا. وعلا فدنا، له المثل الأعلى، والأسماء الحسنى، والحمد لله رب العالمين؛ ثم إن الله تبارك وتعالى- سبحانه وبحمده- خلق الخلق بعلمه ثم اختار منهم صفوته، واختار من كل خيار صفوته أمناء على وحيه، وخزنة له على أمره، إليهم ينتهي رسله، وعليهم ينزل وحيه، جعلهم أصفياء، مصطفين