للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوهام حدّك؛ حارت الأبصار دون النظر إليك، فلم ترك عين فتخبر عنك كيف أنت وكيف كنت. لا نعلم اللهم كيف عظمتك، غير أنا نعلم أنك حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، لم ينته إليك نظر، ولم يدركك بصر، ولا يقدر قدرتك ملك ولا بشر؛ أدركت الأبصار، وكتمت الآجال، وأحصيت الأعمال، وأخذت بالنواصي والأقدام، لم تخلق الخلق لحاجة ولا لوحشة ملأت كلّ شيء عظمة، فلا يردّ ما أردت، ولا يعطى ما منعت، ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك؛ كلّ سرّ عندك علمه، وكل غيب عندك شاهده؛ فلم يستتر عنك شيء، ولم يشغلك شيء عن شيء، وقدرتك على ما تقضي، كقدرتك على ما قضيت، وقدرتك على القوي كقدرتك على الضعيف وقدرتك على الأحياء كقدرتك على الأموات؛ فإليك المنتهى وأنت الموعد، لا منجى إلا إليك؛ بيدك ناصية كل دابة، وبإذنك تسقط كلّ ورقة؛ لا يعزب «١» عنك مثقال ذرة؛ أنت الحيّ القيوم؛ سبحانك! ما أعظم ما يرى من خلقك! وما أعظم ما يرى من ملكوتك! وما أقلهما فيما غاب عنا منه! وما أسبغ نعمتك في الدنيا وأحقرها في نعيم الآخرة! وما أشدّ عقوبتك في الدنيا وما أيسرها في عقوبة الآخرة! وما الذي نرى من خلقك، ونعتبر من قدرتك.

ونصف من سلطانك فيما يغيب عنا منه مما قصرت أبصارنا عنه وكانت عقولنا دونه، وحالت الغيوب بيننا وبينه، فمن قرع سنه وأعمل فكره كيف أقمت عرشك، وكيف ذرأت خلقك، وكيف علقت في الهواء سمواتك، وكيف مددت أرضك- يرجع طرفه حاسرا، وعقله مبهورا، وسمعه والها، وفكره متحيرا؛ فكيف يطلب علم ما قبل ذلك من شأنك إذ أنت وحدك في الغيوب التي لم يكن فيها غيرك، ولم يكن لها سواك؟ لا أحد شهدك حين فطرت «٢» الخلق، ولا أحد حضرك حين ذرأت «٣» النفوس، فكيف لا يعظم شأنك عند من عرفك، وهو يرى من خلقك ما ترتاع به عقولهم، ويملأ قلوبهم، من رعد تفزع له القلوب، وبرق يخطف الأبصار، وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سمواتك، وليست فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا بهم معصية؛