لعمري ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
قالوا: زياد الأعجم. قالت: أشهدكم أن له الثلث من مالي، وكان مالا كثيرا.
وأثنى رجل على رجل، فقال: هو أفصح أهل زمانه إذا حدّث، وأحسنهم استماعا إذا حدّث وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة ولا يسأله الفريضة، له نفس عن الفحشاء محصورة وعلى المعالي مقصورة كالذهب الإبريز الذي يعز كل أوان والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان، هو النجم المضيء للحيران، والمنهل البارد العذب للعطشان.
وقال الحسن بن هانىء «١» :
إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحه ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
وله في الفضل بن الربيع:
لقد نزلت أبا العباس منزلة ... ما إن ترى خلفها الأبصار مطّرحا
وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... بجود كفك تأسو كلّ ما جرحا
وقال زياد الأعجم في محمد بن القاسم الثقفي:
إنّ المنابر أصبحت مختالة ... بمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجّة ... يا قرب سورة سؤدد من مولد «٢»
ومن بدائع مدائح المتنبي قوله:
ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل
ومدح أبو العتاهية عمرو بن العلاء، فأعطاه سبعين ألفا وخلع عليه خلعا سنية حتى أنه لم يستطع أن يقوم، فغار الشعراء منه، فجمعهم وقال: يا لله العجب ما أشد حسد بعضكم لبعض إن أحدكم يأتينا ليمدحنا فيتغزل في قصيدته بخمسين بيتا، فما يبلغنا حتى يذهب رونق شعره، وقد تشبب أبو العتاهية بأبيات يسيرة ثم قال:
إني أمنت من الزمان وصرفه ... لما علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله ... جعلوا له حرّ الوجوه نعالا
إن المطايا تشتكيك لأنّها ... قطعت إليك سباسبا ورمالا «٣»
فإذا وردن بنا وردن خفائفا ... وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا «٤»
ووفد أبو نواس على الخصيب بمصر، فأذن له وعنده الشعراء، فأنشد الشعراء أشعارهم، فلما فرغوا قال أبو نواس: أنشد أيها الأمير قصيدة هي كعصا موسى تلقف ما صنعوا. قال: أنشدها، فأنشده قصيدته التي منها قوله:
إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا ... فأي فتى بعد الخصيب نزور
فتى يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدائرات تدور
فما فاته جود ولا ضلّ دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير
فاهتز الخصيب لها طربا، وأمر له بألف دينار ووصيف ووصيفة.
وحكي: أن أبا دلف سار يوما مع أخيه معقل، فرأيا امرأتين تتماشيان فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف؟
قالت: نعم الذي يقول فيه الشاعر:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره «٥»