للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كونهم منهم (١)، فإنَّه يقتضي أن تثبت لهم أحكام الآباء في الدنيا من التوارث والحضانة والنسب وغير ذلك من أحكام الإيلاد. واللَّه تعالى يُخرج الطيبَ من الخبيث، والمؤمن من الكافر.

وأمَّا حديث ابن مسعود فليس فيه أنَّ هذا حكم كلّ واحد من أطفال المشركين. وإنَّما يدلّ على أنَّ بعض أطفالهم في النَّار، وأنَّ من هذا الجنس -وهن الموؤودات- مَن يدخل النَّار، وكونُها موؤودة لا يمنع من دخولها النَّار بسبب آخر، وليس المراد أنَّ كونها موؤودة هو السبب الموجب لدخول النَّار، حتى يكون اللفظ عامًّا في كلِّ موؤودة. وهذا ظاهر، ولكن كونها موؤودة لا يودّ عنها النار إذا استحقَّتها بسبب، كما سيأتي بيانه بعد هذا إن شاء اللَّه. وأحسن من هذا أن يقال: هي في النار ما لم يوجَد سببٌ يمنع من دخولها النَّار، كما سنذكره إن شاء اللَّه. ففرق بين أن تكون جهةُ كونها موؤودةُ هي التي استحقَّت بها دخول النَّار، وبين كونها غيرَ مانعة من دخول النار بسبب آخر. وإذا كان تعالى يسأل الوائدة عن وأد ولدها بغير استحقاق، ويعذِّبها على وأدها، كما قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨)} [التكوير/ ٨]، فكيف يعذّب الموؤودة بغير ذنب، وهو سبحانه (٢) لا يعذَب من وأَدها بغير ذنب؟

وأمَّا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (٣) [الطور/ ٢١] فهذه الآية تدلّ على أنَّ اللَّه سبحانه يُلحِق ذرّيةَ المؤمنين بهم


(١) كذا في الأصل وغيره، وأحكام أهل الذمة (٦٤٧).
(٢) "ك، ط": "واللَّه سبحانه".
(٣) هنا أيضًا وردت الآية في الأصل و"ف، ب" على قراءة أبي عمرو. وفي "ك" على قراءة نافع.