قال الشنقيطي في المذكرة (ص/ ٦٩)(١): يتوجه على هذا الذي ذكر في هذا البحث ثلاثة أسئلة:
١ـ الأول: أن يقال كيف ساغ نسخ الحكم دون التلاوة مع أن التلاوة دليل الحكم، فكيف يرفع المدلول مع بقاء دليله؛ لأن هذا يلزمه الدليل بلا مدلول، وهو محال، إذ لا تعقل الدلالة بدون مدلول.
٢ ـ الثاني: أن يقال تقدم في حد النسخ أنه رفع الحكم إلى آخره فكيف يدخل نسخ التلاوة مع بقاء الحكم؛ لأن الحكم فيه لم يرفع.
٣ ـ الثالث: أن يقال ما حكمة نسخ اللفظ مع أنه إنما نزل ليتلى ويثاب عليه فكيف يرفع، إذ رفعه يقتضي انتقاء حكمته.
الجواب عن السؤال الأول هو أنا لا نسلم كون اللفظ دليلاً على الحكم بعد نسخ الحكم، بل هو إنما يكون دليلاً عليه عند انفكاكه عما يرفع حكمه، فإذا جاء الخطاب الناسخ لحكمه زالت دلالته على الحكم بالكلية، كما قدمنا في الفوارق بين النسخ والتخصيص.
وإيضاحه أن الحكم الشرعي المنسوخ مع بقاء اللفظ الدال عليه سابقاً، وتلاوة ذلك اللفظ وكتابته في القرآن وانعقاد الصلاة به كلها أحكام شرعية من أحكام ذلك اللفظ، وكل حكم شرعي فهو قابل للنسخ.
قال في المراقي:
وكل حكم قابل له وفى ... نفي الوقوع لاتفاق قد قفى
وإذا عرفت ذلك عرفت أنه لا مانع من نسخ بعض أحكام اللفظ كالتحريم، والوجوب المفهوم منه، مع بقاء أحكام أخر من أحكامه لم تنسخ، كالتعبد به وأجزائه في الصلاة ونحو ذلك.