وقولنا:(لاكتساب) بمعنى لاستنباط، وإنما قيدنا التعريف بهذا القيد؛ ليخرجَ بذلُ الوُسع لإدراك الحكم الشرعيِّ بحفظ متون الفقه، أو بحفظ النصوص الشرعية الدالّة صراحةً على الحكم، فهذا العملُ - وإنْ كان اجتهاداً في اللُّغة - لكنه ليس اجتهاداً في الاصطلاح.
قولنا:(شرعي)، قال الشيخ علي عباس الحكمي في "الاجتهاد ومدى الحاجة إليه في الفقه الإسلامي"(ص/٣): (والشرعي: إخراج للأحكام العقلية والحسية واللغوية، فإن اجتهاد الفقيه في شيء من ذلك لا يسمى اجتهادا شرعيا.
واعتراض زكريا الأنصاري: بأنه لا يحتاج إلى هذا القيد نظرا إلى حيثية كون المستنبط فقيها، يجاب عنه: بأن المقصود من التعريف إيضاح المعرف، وتبيينه ومنع دخول ما سواه، وهو يقتضي ذكر هذا القيد، ليخرج الاجتهاد في غير الأحكام الشرعية، وأما النظر إلى حيثية كون المستنبط فقيها فإن ذلك غير ظاهر في منع ما سوى الحكم الشرعي وإخراجه من التعريف ولو سلم فلا يكفي بالالتزام في التعريف.
وقولنا: (ظني) أي أن مجال الاجتهاد إنما هو في الأحكام الشرعية العملية ظنية الثبوت أو الدلالة أو كلاهما، أو النوازل التي لا نص فيها أصلا دون المسائل قطعية الثبوت والدلالة.
قال الشيخ بكر أبو زيد في " المدخل المفصل"(١/ ٨٢) مبينا مجالات الاجتهاد: (الأَحكام تدور في قالبين:
الأول: ما كان من كتاب أو سنة أو إِجماع قطعي الثبوت والدلالة، أو معلوماً من الدِّين بالضرورة، كمسائل الاعتقاد وأَركان الإسلام، والحدود، والفضائل، والمقدرات كالمواريث، والكفارات ... ونحو ذلك. فهذه لا مسرح للاجتهاد فيها بإِجماع، وطالما أَنَّها ليست محلاً للاجتهاد فلا يُقال فيها: كل مجتهد مصيب، بل المجتهد فيها مقطوع بخطئه وإثمِه، بل وكفره في مواضع.
الثاني: ما سوى ذلك؛ وهو ما كان بنص قطعي الثبوت ظني الدلالة، أو عكسِهِ، أو طرفاه ظنيان، أو لا نص فيه مطلقاً من الواقعات والمسائل، والاقضيات المستجدة، فهذه محل الاجتهاد في أُطرِ الشريعة، وعلى هذا معظم أَحكام الشريعة؛ فهذا محل الاجتهاد ومجاله).