للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦١١٢ - (م) سلمة بن الأَكوع - رضي الله عنه - قال: «قَدِمْنا الحديبيةَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونحنُ أربعَ عشرةَ مائة، وعليها خمسون شاة لا تُرويها، قال: فقعدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- على جَبَا الرَّكِيَّةِ، فإما دعا، وإِمَّا بصق (١) فيها، قال: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنا وَاسْتَقَيْنَا، قال: ثم إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- دعا [نا] للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعتُه في أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إِذا كانَ في وسط من الناس قال: بايِع يا سلمةُ، قال: قلتُ: قد بايعتُكَ يا رسولَ الله في أول الناس، قال: وأيضاً قال: وقد رآني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم ⦗٣١١⦘ أَعْزَلَ - يعني: ليس معه سلاح - فأعطاني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- حَجفَة - أو دَرَقَة - ثم بايَعَ، حتى إذا كان في آخر الناس، قال: ألا تُبايعني يا سلمةُ؟ قال: قلتُ: قد بايعتُك يا رسولَ الله في أول الناس، وفي أوسط الناس، قال: وأيضاً، قال: فبايعتُه الثالثَةَ، ثم قال لي: [يا] سلمةُ، أين حَجفَتُك - أو دَرَقَتُكَ - التي أعطيتُكَ؟ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لقيَني عمّي عامر أعْزَلَ، فأعطيتُه إياها، قال: فضحك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال: إنكَ كالذي قال الأول: اللهم أبْغِنِي حبيباً هو أحبُّ إليَّ من نفسي، ثم إنَّ المشركين وَاسَوْنا الصلحَ، حتى مشى بعضُنا في بعض، واصطلحنا، قال: وكنتُ تَبِيعاً لطلحةَ بنِ عُبيد الله، أسقي فرَسه وأحُسُّه وأخدُمه، وآكل من طعامه، وتركتُ أهلي ومالي مهاجراً إلى الله وإلى رسولِه - صلى الله عليه وسلم-، فلما اصطلحنا نحن وأهلُ مكةَ، واختلط بعضُنا ببعض، أتيتُ شجرة، فَكَسَحْتُ شوكَها، فاضطجعتُ في أصلها، فأتاني أربعة من المشركين من أهلِ مكةَ، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأَبْغَضْتُهم، فتحوَّلتُ إلى شجرة أُخرى، وعلَّقوا سلاحهم، واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذْ نادى مُناد من أسفل الوادي: يَا لَلْمهاجرين، قُتِلَ ابنُ زُنَيْم، قال: فاخترطتُ سيفي، ثم شددتُ على أُولئك الأربعةِ وهم رُقُود، فأخذت سلاحهم، فجعلتُه ضِغْثاً في يدي، قال: ثم قلتُ: والذي كرَّم وجهَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم-، لا يرفع أحد منكم رأسَهُ، إلا ضربتُ الذي فيه عيناه، قال: ثم ⦗٣١٢⦘ جئتُ بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال: وجاء عَمِّي عامر برجل من العَبَلات يقال له: مِكْرَز، يقودُهُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- على فَرَس مُجَفَّف في سبعين من المشركين، فنظر إِليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: دعُوهم، يكنْ لهم بَدْءُ الفُجور وثِناه، فعفا عنهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وكانَ اللهُ بِمَا تعْمَلُونَ بَصِيراً} [الفتح: ٢٤] ، قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلاً، بيننا وبين بني لحيان جبل وهم المشركون، فاستغفرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- لمن رَقيَ هذا الجبل الليلةَ، كأنه طَليعة للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال سلمةُ: فرقِيتُ تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً، ثم قَدِمْنا المدينةَ، فبعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بظَهْره مع رَباح - غلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجتُ معه بفرس لطلحة أُنَدِّيه (٢) ، مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاريُّ قد أغار على ظَهْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَاقَه أَجْمَعَ، وقتل راعيَه، فقلتُ: يا رباحُ، خذ هذا الفرس فأبْلِغْه طلحةَ بنَ عبيد، وأخبِرْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- أَنَّ المشركين قد أَغاروا على سَرْحه، ثم قمتُ على أَكمَة، فاستقبلتُ المدينةَ، فناديتُ ثلاثاً: يا صَبَاحَاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنَّبْل، وأَرْتَجِزُ، أقول: ⦗٣١٣⦘

أنا ابنُ الأكوَعِ ... واليومُ يومُ الرُّضَّعِ

فألحَقُ رجلاً منهم، فأصُكُّ سهماً في رَحْله، حتى خَلَص نَصْلُ السهم إلى كتفه، قال: قلتُ:

خذها وأنا ابنُ الأكوع ... واليومُ يومُ الرُّضَّعِ

قال: فوالله، ما زلتُ أرميهم وأَعقِرُ بهم، فإذا رجع إِليَّ فارس أتيتُ شجرة، فجلستُ في أصلها، ثم رميتُه فَعَقَرتُه، حتى إِذا تَضَايَقَ الجبل، فدخلوا في تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الجبل، فجعلتُ أرميهم بالحجارة، فما زلتُ كذلك أَتْبَعُهم، حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- إلا خَلَّفتُهُ وراءَ ظهري، وَخَلَّوْا بيني وبينه، ثم اتَّبَعْتُهم أرميهم، حتى ألقَوْا أكثرَ من ثلاثين بُرْدَة وثلاثين رُمْحاً، يَسْتَخِفُّون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلتُ عليه آرَاماً من الحجارة يعرفُها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، حتى أتوا مُتَضَايقاً من ثَنِيَّة، فإذا هم قد أتاهم فلانُ بنُ بَدر الفزاريُّ، فجلسوا يتضحَّوْن - يعني: يتغدَّوْنَ - وجلستُ على رأس قَرْن، قال الفزاريُّ: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البَرْحَ، واللهِ ما فارقنا مُنذُ غَلَس يرمينا، حتى انْتَزَع كلَّ شيء من أيدينا، قال: فليقُم إِليه نفر منكم أربعة، قال: فَصَعِدَ إِليَّ منهم أربعة في الجبل، فلما أمْكنَوني من الكلام، قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومَن أَنتَ؟ قال: قلتُ: أنا سلمةُ بنُ الأكوع، والذي ⦗٣١٤⦘ كَرَّمَ وجهَ محمد - صلى الله عليه وسلم-، لا أطلبُ رجلاً منكم إلا أدركتُه، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدُهم: أنا أظنُّ، قال: فرجعوا، فما برحتُ مكاني حتى رأيتُ فَوارِسَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- يتخلّلون الشجر، قال: فإِذا أوَّلهُم الأخرَمُ الأسديُّ، وعلى إثْرِهِ أبو قتادةَ الأنصاريُّ، وعلى إِثْرِهِ المقدادُ بنُ الأسودِ الكِنْديُّ، قال: فأخذتُ بعِنان الأخرم، قال: فَولَّوْا مُدبرين، قلتُ: يا أَخْرم، احْذَرْهم لا يَقْتَطِعُوكَ حتى تلحقَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال: يا سلمةُ إن كنتَ تؤمنُ بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنةَ حَقّ، والنارَ حَقّ، فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة، قال: فخلَّيتُهُ، فالتَقى هو وعبد الرحمن، قال: فعَقَر بعبد الرحمن فَرَسُهُ، وطعنَهُ عبد الرحمن فقتله، وتَحوَّل على فَرَسِهِ، ولحق أبو قتادةَ - فارسُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعبد الرحمن فطعنه فقتله، فوالذي كرَّم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم- لَتَبعتْهُم أعْدُو على رِجْليَّ، حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمَّد ولا غبارهم شيئاً، حتى يَعدِلوا قبل غروب الشمس إلى شِعْب فيه ماء يقال له: ذو قَرَد، ليشربوا منه وهم عِطاش، قال: فنظروا إليَّ أعْدُو وَرَاءهم، فَحلَّيتُهم عنه - يعني: أجْلَيْتُهم عنه - فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويخرجُون فيشتدُّون في ثَنِيَّة، قال: فأعْدُو، فأَلْحَقُ رجلاً منهم، فأصُكُّه بسهم في نُغْضِ كَتِفِهِ، قال: قلتُ: خُذْها

وأنا ابنُ الأكوعِ ... واليومَ يومَ الرُّضَّعِ ⦗٣١٥⦘

قال: يا ثَكلَتْه أُمُّه، أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ؟ قلت: نعم يا عدوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُك بكرة، وأَرْدَوْا فرسين على ثنيَّة، فجئتُ بهما أسوقُهما إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، ولحقني عامرُ بسطيِحَة فيها مَذْقَة من لَبَن، وسَطيحة فيها ماء، فتوضأتُ وشربتُ، ثم أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على الماء الذي حَلَّيتُهم عنه، فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قد أخذ تلكَ الإبلَ، وكلَّ شيء اسْتَنْقَذْتُه من المشركين، وكلّ رُمْح وبُرْدَة، وإذا بلال نحرَ ناقة من الإبل التي استنقذتُ من القوم، وإِذا هو يشوي لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- من كَبِدِها وسَنَامِها، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، خَلِّني فَأنْتَخِبُ من القوم مائةَ رجل، فأتْبَعُ القوم، فلا يبقى منهم مُخبِر إلا قتلتُه، قال: فضحكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- حتى بَدَتْ نَوَاجِذُه في ضوء النار، فقال: يا سلمةُ، أَتُراك كنتَ فاعلاً؟ قلتُ: نعم، والذي أكرمكَ، قال: إِنهم لَيُقْرَوْن في أرض غَطَفان، قال: فجاء رجل من غَطَفَانَ، فقال: نَحَرَ لهم فلان جزوراً، فلما كشفوا جلدها رأَوْا غُبَاراً، فقالوا: أتاكم القومُ، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: كان خيرَ فُرْساننا اليومَ أبو قَتادةَ، وخيرَ رَجَّالَتِنا سلمةُ، قال: ثم أعطاني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعاً، ثم أرْدَفَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وراءه على العَضْبَاء، راجعِين إلى المدينة، قال: فبينما نحن نسير، قال: وكان رجل من الأنصار ⦗٣١٦⦘ لا يُسْبَقُ شَدّاً، قال: فجعل يقولُ: ألا مُسابق إلى المدينة؟ هل مِنْ مُسابِق؟ فجعل يُعيدُ ذلك، قال: فلما سمعتُ كلامَه، قلتُ: أما تُكْرِم كريماً، ولا تَهابُ شَريفاً؟ قال: لا، إلا أَنْ يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، بأبي وأُمِّي، ذَرْني فلأَسْبِق الرَّجُلَ، قال: إن شئتَ، قال: قلتُ: اذهب إليكَ، قال: وَثَنَيْت رِجْلي، فَطَفَرْتُ فعدوتُ، قال: فَربطتُ عليه شَرَفاً أو شَرَفَيْنِ، أَسْتَبْقي نَفسي، ثم عَدَوْتُ في إِثْرِهِ، فربطتُ عليه شَرَفاً أو شَرَفين، ثم إني رَفَعْتُ حتى أَلْحَقَه: فأصُكُّه بين كتفيه، قال: قلتُ: قد سُبِقْتَ والله، قال: أنا أظنّ، قال: فَسَبَقْتُه إلى المدينة، قال: فوالله، ما لبثنا إلا ثلاثَ ليال، حتى خرجنا إلى خيبرَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، قال: فجعل عَمِّي عامر يَرْتَجِزُ بالقوم:

تَاللهِ لَوْلا الله مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّيْنا

وَنَحْنُ عنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَينا ... فَثَبِّتِ الأقدَامَ إِن لاقَيْنا

وَأَنْزِلَنْ سَكِينَة عَليْنا

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: من هذا؟ قال: أنا عامر، قال: غَفَرَ لكَ رَبُّكَ، قال: وما استغَفَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- لإِنسان يَخُصُّهُ إلا اسْتُشْهِدَ، قال: فنادى عمرُ بنُ الخطاب وهو على جمل له: يا نبيَّ الله، لولا مَتَّعْتَنا بعامر؟ قال: فلمَّا قدِمنا خَيْبَر، قال: خرج مَلِكُهمْ مَرْحَب يخطِرُ بسيفه، يقول: ⦗٣١٧⦘

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَل مُجَرَّبُ

إذا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

قال: وبرز له عمِّي عامر، فقال:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عامِرُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَل مُغَامِرُ

قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيفُ مَرْحَب في تُرْسِ عامر، وذهب عامر يُسْفِل له، فرجع بسيفه على نفسه، فقطع أكْحَلَهُ، وكانت فيها نَفْسُه، قال سلمةُ: وخرجتُ، فإذا نفر من أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- يقولون: بَطَلَ عَمَلُ عامر، قتل نَفْسَهُ، قال: فأتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي - فقلتُ: يا رسولَ الله، بَطَلَ عَمَلُ عامر، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: من قال ذلك؟ قال: قلتُ: ناس من أصحابك، قال: كذَبَ من قال ذلك، بل له أجرهُ مرتين، ثم أرسلني إلى عليّ - وهو أرمَدُ - فقال: لأعطينَّ الرَّايةَ رجلاً يُحِبُّ الله ورسولَهُ، ويُحِبُّهُ الله ورسولُهُ، قال: فأتيتُ عليّاً، فجئتُ به أقودُه - وهو أَرمَدُ - حتى أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-، فَبَصَقَ في عَيْنَيه، فَبَرأَ، وخرجَ مَرْحَب، فقال:

قَدْ عَلِمتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ

إذا الحروبُ أقبلتْ تَلَهَّبُ

فقال عليّ - رضي الله عنه -: ⦗٣١٨⦘

أنا الذي سَمَّتْني أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غابات كرِيهِ المَنْظَرَه

أُوفِيهُمُ بالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

قال: فضرب رأسَ مَرْحَب، فقتلهُ، ثم كان الفتحُ على يَدَيْه» . أخرجه مسلم (٣) .

قال الحميديُّ: في هذا الحديث من ذِكْر الإغارة على السرحِ، وقصةِ عامر وارتجازهِ، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «لأعطِينَّ الرايةَ» ، ما قد اتفق البخاري معه على معناه، ولكن فيه من الزيادة والشرح ما يوجب كونَه من أفراد مسلم، فأفردناه.

وفي رواية أبي داود، أخرج بعضه، وسيجيء ذِكرُه في غزوة ذي قَرَد إن شاء الله (٤) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(على جبا الرَّكِيَّةِ) الرَّكِيَّةُ: البئر، وجباها: التراب الذي أُخرج منها وجُعلَ حولها.

(أعزل) الأعزل: الذي لا سلاح معه، وقوم عُزَّل، وقد جاء في أحد نسخ مسلم «عُزُل» وأراد به الواحد، ولعله غلط من الكاتب. ⦗٣١٩⦘

(ابغِني) بمعنى أوجدني وأعطني.

(واسَوْنا) من المواساة: المشاركة والموافقة.

(تَبيعاً) التَّبيع: الخادم، لأنه يتبع الذي يخدُمه.

(فكسحت) كسحتُ البيت: كنستُه ونحيَّت ما في أرضه مما يؤذي ساكنه.

(ضِغْثاً) الضِّغث: الحزمة المجتمعة من قضبان أو حشيش ونحوه مما يجمع في اليد.

(من العَبَلات) العبَلات: أُمية الصغرى من قريش، والنسب إليهم: عَبَليٌّ.

(مجفف) فرس مجفَّف: عليه تجافيف، وهي ما يستره في الحرب خوفاً عليه مما يؤذيه من سلاح وغيره، فهو في الخيل كالمُدَجَّج من الرِّجال، وهو المنغمس في الدرع والسلاح.

(بدء الفجور) : ابتداؤه وأوله، وثِناه: ثانيه، وقد يمدُّ.

(طليعة) الطليعة: الجاسوس.

(بظهره) الظهر: ما يُعَدُّ من الإبل للركوب والأحمال.

(أُنَدِّيه) قال الأصمعي: التندية بالنون: أن تُورِد الإبل والخيل، حتى تشرب قليلاً، ثم ترعى ساعة، ثم تردُّها إلى الماء من يومها، أو من الغد، والإبل تندو من الحَمض إلى الخَلَّة، فتنتقل من جنس من المرعى إلى جنس آخر، وأنكر القتيبي هذا، وقال: الصواب «لأبَدِّيه» بالباء المعجمة ⦗٣٢٠⦘ بواحدة، أي: لأخرجه إلى البدو، وقال: ولا تكون التندية إلا للإبل خاصة، قال الأزهري: أخطأ القتيبي، والصواب ما قال الأصمعي. وللتندية معنى آخر، وهو تضمير الفرس وإجراؤه، حتى يسيل عرقه، ويقال لذلك العرق إذا سال: النَّدَى، وهذا أشبه بمعنى الحديث، والله أعلم.

(سَرْحِهِ) السرح: المواشي السائمة.

(على أكمَة) الأكمةُ: الرَّابيةُ ونحوها، وجمعها: أُكم وآكام وإكام.

(يا صباحاه) يومُ الصَّباح: يومُ الغارة، وكان إذا دهمهم أمر صاحوا: يا صباحاه، يُعْلِمُون قومَهم بما دَهِمَهم ونابَهم، ليُبادروا إليه.

(يوم الرُّضَع) أراد بقوله: يوم الرُّضَّع: يوم هلاك اللئام، والرُّضع جمع راضع، وأراد بهم: الذي يُرضِعون الإبل ولا يحلبونها خوفاً من أن يسمع حلبها من يستمنحهُم ويسألهم لبناً، وقد يكون كناية عن الشدة.

(فأصكّ) الصَّكُّ: الضرب باليد، وأراد: أنه رماه بسهم.

(في رحله) رَحْلُ الناقة: كورها، فأضافه إليه لأنه راكب عليه.

(وأعْقِرُ بهم) عَقَرْتُ به: قتلتُ مركُوبَه، وجعلتُه راجلاً.

(بُردَة) البُرْدَةُ: ضرب من الثياب.

(آراماً) الآرام: جمع إرم، وهو العلم من الحجارة.

(قَرَن) القَرَن: جبل صغير منفرد. ⦗٣٢١⦘

(البَرَح) : الشدة، يقال: لقيتُ منه بَرَحاً بارِحاً، أي: شدة شديدة.

(غَلَس) الغَلَس: ظُلْمَةُ آخر الليل.

(لا يقطعونك) الاقتطاع: أخذ الشيء والانفراد به، أراد به: لا يرونك منفرداً فيطمعوا فيك فيقتلوك.

(شِعْب) الشِّعْبُ: الفُرْجَةُ بين الجبلين كالوادي.

(فَحَلَّيْتُهم) عن الماء: أي: طردتُهم، هكذا جاء لفظ الحديث مُشدداً غير مهموز، وبهذا شرحه الحميدي في كتابه، والمعروف في اللغة: حَلأتُ الإبل مشدداً مهموزاً، ولعل الهمزة قد قُلبت ياء، وليس بالقياس، لأن الياء لا تُبدل من الهمزة إلا أن يكون ما قبلها مكسوراً، نحو إيلاف وبير، وقد جاء شاذاً: قَرَيْتُ في قرأتُ، وليس بالكثير.

(فَيُسنِدونَ) وقد تقدَّم في أول هذه الغزوة ذكر «يسندون» وهو الصعود في الجبل.

(نُغض) الكتف: الغضروف العريض الذي على أعلاه.

(أكْوَعُه بكرة) قوله: أكوعه بكرة، يعني: الأكوع الذي كان قد تبعنا من بكرة، فإنه كان أول ما لحقهم قال:

أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرُّضع ⦗٣٢٢⦘

[فلما عاد] قال لهم هذا القول، فقال له: أنت الذي كنت معنا بكرة؟ قال له في الجواب: نعم أكوعك بكرة.

(أرْدَوا فرسين) أرديتُه: رميتُه وتركته، والمراد: أنهم من خوفهم تركوا من خيلهم فرسين، ولم يقفوا عليهما هرباً وخوفاً أن يلحقهم.

(مَذقَة من لبن) لبن ممذوق، أي: مخلوط بماء، والمراد بقوله: «مَذْقَة» شربة قليلة من لبن ممذوق.

(لَيُقْرَوْن) القِرى: الضِّيافة ونُزُل الضَّيْف.

(فأنتخب) الانتخاب: الاختيار، وانْتِقَاءُ الجَيِّد.

(جزوراً) الجزور: البعير ذكراً كان أو أنثى، إلا أن اللفظة مؤنثة.

(العَضباء) : لقبُ ناقةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- ولم تكن عضباء، أي: مشقوقة الأذُن.

(شدّا) الشدّ: العدو.

(فربطتُ) أي: تأخَّرتُ، كأنه ربط نفسه، أي: شدَّها.

(شَرَفاً) الشَّرَفُ: الشَّوطُ والقَدْرُ المعلوم من المسافة.

(لولا متَّعْتنا) «لولا» هاهنا بمعنى: هَلا، و «متعتنا» بمعنى: جعلتنا ننتفع به، فإنه - صلى الله عليه وسلم- كان إذا استغفر في غزوة لأحد على الخصوص، أو ترَّحم [عليه] : عرفوا أنه يموت أو يُقتل، فقالوا لما استغفر له: هلا تركتنا ⦗٣٢٣⦘ نستمتع بحدائه في طول حياته؟

(يَخْطِر بسيفه) خَطَر بسيفه: إذا هَزّهُ مُعجَباً بنفسه، مُتعرِّضاً للمبارزة، ويجوز أن يكون أراد به: أنه كان يخطِر في مِشْيَتِه، أي: يتمايل ويمشي مِشْيَةَ المعجَب بنفسه، وسيفُه في يده، فكأنه خطر وسيفه معه.

(شاكي السلاح) : ذو شدَّة وشوكة وحِدَّة في سلاحه.

(مُغَامِرُ) رجل مُغامر: إذا كان يَقتحم المهالك.

(يَسفُل) سفلتُ له أسفُل في الضرب: إذا عمدتَ أن تضرب أسافِلَه من وسطه إلى قدميه.

(حَيْدَرَة) : اسم للأسد، وذلك أن فاطمةَ بنتَ أسد أُمَّ علي بن أبي طالب لما ولدته سمته باسم أبيها، وكان أبو طالب غائباً، فلما قدم كره هذا الاسم، فسماه علياً.

(السَّندَرة) : مِكْيَال ضخم.

(كَلَيْث غابات) الليث: الأسد، و «الغابات» جمع غابة، وهي الأجَمَةُ، وأُسود الغابات موصوفة بالشدة.


(١) يقال: بزق، وبصق، وبسق، ثلاثة لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال.
(٢) في المطبوع: أندبه، وهو خطأ.
(٣) رقم (١٨٠٧) في الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها.
(٤) سيأتي في الحديث رقم (٦١٢٤) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه مسلم (١٨٠٧) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هاشم بن القاسم. (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو عامر العقدي، كلاهما عن عكرمة بن عمار. (ح) وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وهذا حديثه، أخبرنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، حدثنا عكرمة - وهو ابن عمار- حدثني إياس بن سلمة، حدثني أبي، قال: فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>