للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٨٧ - (ت) قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - قال كان أهل بيتٍ منَّا يقال لهم: بَنُو أُبَيْرق: بِشْرٌ، وبَشِيرٌ، ومبَشِّرٌ، وكان بشير رجلاً منافِقاً، يقول الشِّعْرَ يَهْجُو به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يَنْحَلُهُ بعض العرَبِ، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أَصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشِّعْرَ، قالوا: واللهِ، ما يقول هذا الشِّعْرَ إلا هذا الخَبيثُ - أو كما قال الرجل - وقالوا: ابنُ الأُبَيْرق قالها: وكانوا أهلَ بيتِ حاجةٍ وفاقةٍ في الجاهلية والإسلامِ، وكان النَّاسُ إنما ⦗١٠٦⦘ طعامهم بالمدينة التمرُ والشَّعِيرُ، وكان الرجلُ إذا كان له يَسارٌ فقدمت ضافِطةٌ من الدَّرمَك، ابتاع الرجلُ منها، فخصَّ بها نفسه، وأما العيالُ: فإنما طعامهم التمرُ والشعيرُ.

فقدمت ضافِطَةٌ من الشام، فابتاع عَمِّي رِفاعَةُ بنُ زيد حِمْلاً من الدَّرمك، فجعله في مَشْرَبةٍ له، وفي المشربة سلاحٌ: دِرْعٌ وسيف، فَعُدِي عليه من تحت البيت فَنُقِبَتِ المشربةُ، وأُخذَ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عَمِّي رِفاعَةُ، فقال: يا بن أخي، إنه قد عُدِيَ علينا في ليلتنا هذه، فنُقِبتْ مَشرَبتُنا، وذُهِبَ بطعامنا وسلاحنا، قال: فتحَسّسْنَا في الدارِ، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنُو أُبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدَّار -: والله ما نَري صاحبكم إلا لَبِيدَ بنَ سَهْلٍ - رجل منَّا له صلاحٌ وإسلامٌ - فلمَّا سمع لبيدٌ اختَرط سيفَه: وقال: أَنا أَسرِق؟ فَوالله ليخالطنَّكم هذا السيف، أَو لتُبِّينُنَّ هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار، حتى لم نَشُكَّ أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتَ ذلك لَهُ؟ قال قتادة: فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: إن أهل بيت منَّا، أَهلَ جفاءٍ عَمَدُوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقَّبُوا مَشْرَبَة لهُ، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليَرُدُّوا علينا سلاحنا، فأمَّا الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: سآمرُ في ذلك، فلما سمعَ بَنُو أُبَيْرِقَ أَتَوْا رجلاً منهم، يقال له: أسَيْد بن عروة فكلَّموه في ذلك، واجتمع ⦗١٠٧⦘ في ذلك أناسٌ من أَهل الدار، فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمَّهُ عمداً إلى أَهل بيت منَّا أهلِ إسلامٍ وصلاحٍ يرمونهم بالسرقةِ من غير بَيِّنَةٍ ولا ثَبتٍ.

قال قتادة: فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلَّمته، فقال: عمدْتَ إلى أَهل بيت ذُكرَ منهم إسلامٌ وصلاحٌ، ترميهم بالسرقة من غير ثبتٍ ولا بينة؟ قال: فرجعت، ولودِدْتُ أَنِّي خرجت من بعض مالي، ولم أكلِّم رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعةُ، فقال: يا ابن أَخي، ما صنعتَ؟ فأَخبرتُه بما قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهُ المستعانُ، فلم نَلْبَثْ أن نزل القرآنُ {إنَّا أَنْزَلنا إليْكَ الكِتابَ بالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بما أَرَاكَ اللَّهُ ولا تكُنْ لِلْخَائِنينَ خَصِيماً} بني أُبَيْرق {وَاسْتَغْفِرِ اللهَ} مما قلت لقتادة {إنَّ الله كان غفوراً رحيماً. ولا تُجَادِلْ عن الَّذِينَ يَخْتَانُون أَنْفُسَهُمْ إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كان خَوَّاناً أَثِيماً. يسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى من القولِ وكان الله بما يعملون محيطاً. هاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا فمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ أَمْ مَنْ يكونَ عَلَيْهِم وكيلاً. ومن يعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يسْتَغْفِرِ الله يجدِ اللَّهَ غَفوراً رحيماً} أي: لو استغفروا الله لغفرَ لهم {ومَنْ يَكسِبْ إِثْماً فإِنَّما يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ وكان الله عليماً حكيماً. ومَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَو إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بريئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وإِثْماً مبيناً} قولهم لِلبَيدٍ {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ منْهُم أن يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إلَّا أَنفُسَهُمْ وما يَضُرُّونَكَ مِنْ شيءٍ ⦗١٠٨⦘ وأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكمةَ وعَلَّمك ما لم تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظيماً. لا خَيْرَ فِي كثيرٍ من نَجْواهم إلا من أمرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بين النَّاس ومَنْ يفْعَلْ ذَلِك ابْتِغَاءَ مَرْضاةِ اللهِ فَسوفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: ١٠٥- ١١٤] ، فلمَّا نزل القرآن أُتِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح، فَرَدَّهُ إلى رفاعة، قال قتادة: لما أتيتُ عمِّي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا، أو عشا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته قال لي: يا ابن أخي، هو في سبيل الله - فعرفتُ أنَّ إِسلامه كان صحيحاً - فلما نزلَ القرآنُ لِحقَ بُشَيْرٌ بالمشركين فنزل على سُلافة بنت سعد بن سُمَيَّةَ (١) ، فأنزل الله {ومَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّه ما تَولَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً. إنَّ الله لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمْن يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بالله فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعيداً} [النساء: ١١٥، ١١٦] ، فلمَّا نزل على سُلافةَ، رماها حَسَّانُ بن ثابتٍ بأبياتٍ من شِعْرٍ (٢) ، فأخذَتْ رَحْلَهُ ⦗١٠٩⦘ فَوَضَعَتْهُ عَلى رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطَحِ، ثم قالت: أَهْدَيْتَ إليَّ شِعْرَ حسَّان، ما كنتَ تأتيني بخير. أخرجه الترمذي (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(ينحله) النحلة: الهبة والعطية.

(فاقة) الفاقة: الحاجة والفقر.

(ضافطة) بضاد معجمة: ناس يجلبون الدقيق والزيت، ونحوهما. وقيل: هم الذين يُكْرون من منزل إلى منزل.

(الدرمك) الدقيق الحواري.

(مشربة) بضم الراء وفتحها: الغرفة.

(عُدِي عليه) أي: سرق ماله، وهو من العدوان، أي: الظلم.

(عسا أو عشا) عسا بالسين غير المعجمة، أي: كبر وأسن، وبالمعجمة، أي: قَلّ بصره وضعف.

(مدخولاً) الدَّخل: العيب والغش، يعني: أن إيمانه متزلزل فيه نفاق.


(١) كذا وقع في الترمذي، وفي المستدرك " سلامة بنت سعد بن سهل "، وفي الطبري " بنت سعد بن سهيل "، والصواب: سلافة بنت سعد بن شهيد، كما في " الدر المنثور "، و " ديوان حسان بن ثابت ". وسلافة هذه هي زوج طلحة بن أبي طلحة وهي أم مسافع والجلاس وكلاب بنو طلحة بن أبي طلحة، وقد قتلوا يوم أحد هم وأبوهم قتل مسافعاً والجلاس عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح حمي الدبر، فنذرت سلافة لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر ـ النحل ـ حين أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة. راجع ابن هشام ٣ / ٦٦ و ١٨٠.
(٢) هو في ديوانه: ٢٧١ يقول في أوله يذكر سلافة بالسوء من القول:
وما سارق الدرعين إن كنت ذاكراً ... بذي كرم من الرجال أوادعه
فقد أنزلته بنت سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استها وتنازعه
(٣) رقم (٣٠٣٩) في التفسير، باب ومن سورة النساء، وأخرجه الطبري رقم (١٠٤١١) ، والحاكم في " المستدرك " ٤ / ٣٨٥ وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. نقول: وفي سنده عمر بن قتادة الظفري الأنصاري لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
وأخرجة الترمذي (٣٠٣٦) قال حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني، قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه فذكره.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لانعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني، وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، مرسل لم يذكروا فيه - عن أبيه عن جده.

<<  <  ج: ص:  >  >>