إذ ليس في هذا اللفظ تعديل له فإذا قال حدثني الثقة الرضا ونحو ذلك وكان ممن يقبل تعديله ويرجع إليه فهو مقبول محتج به وإن كان مرسلا لأن الظن غالب بأنه لا يقول ذلك إلا عن تحقيق ثقة ذاك الراوي وصدقه والمعول عليه إنما هو غلبة الظن وهذا يورث الثقة بذلك الراوي لا محالة
قلت ولقائل أن يمنع ذلك وكم من رجل اختلف فيه اجتهاد أئمة الجرح والتعديل فوثقة قوم وجرحه آخرون وكان الراجح قول الجارح فيجوز أن يكون هذا الذي أطلق توثيقه ولم يسمه ممن اطلع غيره فيه على جرح مؤثر ولو سمى لظهر ذلك فلا ثقة حينئذ وهذا هو الذي اختاره الإمامان أبو بكر الصيرفي والخطيب والله أعلم
وأما على التفصيل الذي ذكره الإمام الشافعي رحمه الله فمأخذه أن مدار قبول خبر الواحد على ظهور الثقة في الظن الغالب والمرسل بمجرده لا يحصل ذلك كما تقرر فيما قبل فإذا اقترن به أحد الأسباب التي ذكرناها فيما مضى حصل عليه الظن حينئذ وفي الحقيقة إنما حصل ذلك بالمجموع لا بالمرسل بمجرده وقد سبق ما أورده المعترض على هذه الطريقة والجواب عن ذلك بما فيه الكفاية وبالله التوفيق
وأما القول المختار وهو أن من عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن عدل موثوق به مشهور بذلك فمرسله مقبول ومن لم يكن عادته ذلك فلا يقبل مرسله وهذا القول والذي قبله أعدل المذاهب وبه يحصل الجمع بين الأدلة المتقدمة من الطرفين فإن قبول الصدر الأول لكثير من المراسيل لا يمكن إنكاره وقد صدر من جماعة منهم كثيرين رد لكثير من المراسيل أيضا فيحمل قبولهم عند الثقة بمن أرسل منهم أنه لا يرسل إلا عن عدل موثوق به وردهم عند عدم ذلك وإلى هذا أشار ابن عباس رضي الله عنهما بقوله المتقدم كنا إذا سمعنا أحدا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف وقول ابن سيرين لقد