والراجح أنه ليس كذلك إلا أن يصرح بأنه لا يروي إلا عن عدل أو يعرف ذلك من عادته فحينئذ يجيء ما قاله من اعتبار مذهبه في التعديل والجرح ثم يرد عليه ما تقدم مرارا من احتمال أن يكون الراوي الذي أرسل عنه لم يطلع فيه على جارج وعدله لذلك ولو صرح باسمه لظهر لغيره جرحه المؤثر وهي النكتة التي عول عليها من رد المرسل مطلقا والذي ينقدح فيه ما اختاره ابن برهان ما إذا قال الراوي حدثني الثقة ونحو ذلك فإن من يكتفي بمجرد ذلك منه كإمام الحرمين لا بد وأن يعتبر مذهب القائل لذلك في التعديل والذي عليه أكثر المحققين أنه لا يكتفي بقول الراوي حدثني الثقة من غير ذكر صرح باسمه وعرفناه زال ذلك الاحتمال إذا لم يظهر فيه جرح بعد البحث
وأما قول الإمام الشافعي ذلك في مواضع فقد قال كثير من أصحابنا إنما قاله لبيان الحجة لمتابعيه لا الاحتجاج على غيره وقد عرف من عادته أنه أراد بقوله من لا أتهم أو حدثني الثقة في مواضع إبراهيم بن أبي يحيى والأكثرون ضعفوه وتبين لهم من حاله ما لم يطلع عليه الإمام الشافعي رحمه الله وذلك مما يبين صحة ما ذكرناه والله أعلم
الرابع ظاهر كلام إمام الحرمين أن قول الراوي حدثني الثقة من قبيل المرسل وكذلك حدثني رجل لكنه اختار القبول في الأول دون الثاني وقد تقدم ذلك عنه والذي يقتضيه كلام غيره ممن يكتفي بقول الراوي أخبرني الثقة أن ذلك من قبيل المسند لا المرسل وأنه بمثابة ما لو صرح باسمه ووثقة واختار الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع أن ذلك بمثابة المرسل وأنه غير مقبول لما أشرنا إليه غير مرة من اختلاف الناس في الجرح والتعديل اجتهادا واطلاعا فلا تحصل الثقة بالخبر إلا بتسمية الراوي والنظر في حاله والبحث عنه وقد اعترض على هذا بشيئين
أحدهما أنه يلزم منه أن كل من عمل بحديث لا يجوز له حتى يعرف رواته كلهم ويبحث عنهم ولا يقلد غيره من الأئمة في جرحهم وتعديلهم وفي ذلك تضييق عظيم وحرج متروك العمل به