فلا شك أن الكتابة على حساب الحفظ، وكل واحد منا يدرك ذلك في أموره العادية، الذي يكتبه لا يعتني به، ولا يودعه سويداء قلبه ليحفظه، ولذا تجد الإنسان إذا لم يكن معه قلم أو ورقة يكتب بها، واحتاج إلى أمر من الأمور، وأظهر ما يوجد الآن الأرقام -أرقام الهواتف- التي صارت هي شغل الناس الشاغل، إذا لم يكن معه قلم حفظه، هذا شيء مجرب، إذا سجله وكتبه هذا آخر عهده به، فجاء النهي عن الكتابة؛ خشية أن يعتمد الناس على الكتابة ويهملوا الحديث، لكن لا مفر ولا مناص ولا محيص عن الكتابة ولا محيد، لماذا؟
لأن الناس لما دخلوا في دين الله، وتعلموا ما تعلموا من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وكثرت أعدادهم، واختلطوا بغيرهم احتيج إلى التدوين، لما كثر الناس ودخلوا في دين الله أفواجاً احتيج إلى التدوين، فجاء الأمر بالكتابة لبعض الناس:((اكتبوا لأبي شاه)) وقال أبو هريرة: "ما كان أحد أكثر مني حديثاً غير عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب".
فتتابع الناس على الكتابة، وأجمع أهل العلم على جوازها، وارتفع الخلاف السابق، بل وجد من يمنع الكتابة استدلالاً بحديث أبي سعيد من المتقدمين، تتابع الناس على الكتابة، ودونت الأحاديث في الصحف والكتب، وحصل بذلك خير عظيم، ولذا أو تبعاً لذلك تنوع الحفظ عند أهل العلم، فمنه ما هو حفظ صدر، ومنه ما هو حفظ كتاب، وإن نازع بعض أهل العلم في الاعتماد على حفظ الكتاب وجعلوا الأصل حفظ الصدر، لكن حصل الاتفاق على أن حفظ الكتاب لا يقل أهمية عن حفظ الصدر إن لم يكن أقوى منه وأثبت؛ لأن الحفظ خوَّان.