للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هريرة وابن عباس، قالوا: الماء لا ينجس، ورُوي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والثوري ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن المنذر، وهو قول للشافعي، ورواية عن أحمد، وهو قول داود والظاهرية [انظر: المغني (١/ ٣١)، المجموع (١/ ١٦٣)، وغيرهما]، قال النووي: "وهذا المذهب أصحها بعد مذهبنا".

واحتج أصحاب القول الأول: بمفهوم حديث القلتين: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وحديث أبي هريرة: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده"، وحديث أبي هريرة: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا أولاهن بالتراب"، وحديث أبي هريرة: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه من الجنابة".

وقالوا بأن حديث: "الماء طهور لا ينجسه شيء" مخصص بهذه الأدلة.

• والرد عليهم بأن هذه الأحاديث، كما قال ابن حزم (١/ ١٥١): "لا حجة لهم في شيء منها، وكلها حجة عليهم لنا".

١ - أما حديث ابن عمر فهو حديث صحيح، كما تقدم بيانه، وإن ضعفه ابن عبد البر، وإن قال ابن المنذر في الأوسط: "مع أن حديث القلتين يدفعه عبد الله بن المبارك، ويقول: ليس بالقوي ... "، وإن ضعفه ابن القيم:

فقد تقدم تفصيل القول فيه، وأنه حديث صحيح، سالم من العلة والشذوذ والاضطراب، صححه جمع كبير من أهل العلم على رأسهم ابن معين، فقد جوَّد إسناده، وسلَّم بصحته معارضوه: كالطحاوي وابن حزم.

وأما دعوى الشذوذ التي أقامها ابن القيم لرد الحديث، فقال: "أما الشذوذ: فإن هذا حديث فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، وهو في المياه كالأوسق في الزكاة، والنصب في الزكاة، فكيف لا يكون مشهورًا شائعًا بين الصحابة ينقله خلف عن سلف لشدة حاجة الأمة إليه أعظم من حاجتهم لنصب الزكاة ... ، ومن المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير؟، وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن هذه السُّنَّة التي مخرجها من عندهم، وهم إليها أحوج الخلق لعزة الماء عندهم؟ ...

حتَّى قال: فأي شذوذ أبلغ من هذا؟ وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنَّه لم يكن فيه عنده سُنَّة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا وجه شذوذه".

أقول: فهذه دعوى ساقطة، ولو أعملناها على هذا الوجه لرددنا بها كثيرًا من الأحاديث الصحيحة الثابتة، فقط لأنَّه لم يروها عن الصحابي أثبت أصحابه وأكثرهم عنه رواية!

فإنه يكفينا للحكم بصحة الحديث أن يرويه عن الصحابي: تابعي ثقة، معروف

<<  <  ج: ص:  >  >>