راض بما يحصل له فيها من الأذى، منشرح الصدر بذلك، غير متضجر منه ولا جزع. كان إذا اشتكى أحد من أصحابه يقول:" إني عبد الله ولن يضيعني ".
صرت لهم عبيداً ... وما للعبد أن يعترضا
من لمريض لا يرى ... إلا الطبيب المُمرضا؟
وفي الصحيح عن عائشة قالت: قلت، يا رسول الله، هل مر عليك يوم أشد من يوم احد؟ فقال:" لقد لقيت من قومك ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بساحبة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك وما شئت، إن شئت أن أطبق الاخشبين عليهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد اله وحده لا يشرك به شيئاً ".
ما مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يعبد الله ولا يشرك به شيء، وما يبالي - إذا حصل ذلك - ما أصابه في الدعوة إليه، إذا وحد معبوده، حصل مقصوده، إذا عبد محبوبه، حصل مطلوبه، إذا ذكر ربه، رضي قلبه، وأما جسمه فما يبالي أصابه في سبيل ربه ما يؤلمه، أو يلائمه.
إذا كان سركم ما قد بليت به ... فما لحرج إذا أرضاكم ألم
وحسب سلطان الهوى أنه ... يولف فيه كل ما يؤلم
وكان كلما آذاه الأعداء إذا دعاهم إلى مولاهم رجع إلى مولاه فتسلى بعلمه ونظره إليه وقربه منه، واشتغل بمناجاته، وذكره ودعائه وخدمته، فنسي كل ما أصابه من الألم من اجله، وقد أمره الله بذلك في القرآن في مواضع كثيرة نحو قوله تعالى:{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} وقوله: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}