للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه نار، فاحرق شعره، واسود بشره، فأعيد إلى حفرته، وكان في ذلك انتهاء محنته. وعجب الناس من هذه الشنعاء التي جاء بها سليمان، واعتدوها من هناته، وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته، والله الفعال لمّا يريد. وكان، عفا الله عنه، أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت، فتجهش هواتفه بالشعر، يبكي نفسه، ومما قال في ذلك:

بعدنا وإنَّ جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت

وأنفاسنا سكنت دفعة ... كهجر الصلاة تلاه القنوت

وكنا عظاماً فصرنا عظاماً ... وكنا نقوت فيها نحن قوت

وكنا شموس سماء العلا ... غربن فناحت علينا السموت

فكم خذلت ذا الحسام الظبا ... وذو البخت كم جدلته البخوت

وكم سيق للقبر في خرقة ... فتىً ملئت من كساه التخوت

فقل للعدا ذهب أبن الخطيب ... وفات ومن ذا الذي لا يفوت

ومن كان يفرح منهم له ... فقل: يفرح اليوم من لا يموت

انتهى كلام أبن خلدون في ديوان العبر.

ورأيت تخميسا لبعض بني الصباغ على هذه القطعة، لكنه زاد فيها بعض أبيات على ما ذكره أبن خلدون، وها أنا أثبته تتميما للفائدة، وهو:

أيا جاهلا غره ما يفوت ... وألهاه حال قليل الثبوت

تأمل لمن بعد أنسٍ يصوت ... بعدنا وإنَّ جاورنا البيوت

وجئنا بوعظ ونحن صموت

<<  <  ج: ص:  >  >>