حاد مستحث على طلب العلم؟ فقلت: نعم، فقال: قل نعم، فإن النعم الإبل والبقر، وأراد نشري وبسطي بهذا الرد، قال: أي أقوى في نفسك أن تعلم الحلال والحرام، أو أن تتعمق في الكلام، أو أن تواصل هذا الأدب والبيان؟ فقلت: بل مواصلة الأدب، فقال: ما اختال سحابك ولا خلب برقك، فقال: أما إنك إذ أبيت إلا ذلك لما تجد في طباعك من النزاع إليه، والاشتمال عليه، فخذ من الشعر القديم أفصحه، ومن الخبر المأثور أملحه، واستغن بجليل النحو عن دقيقه، وليكن علمك اللغة، واحرص أن تعلم، ولا تحرص أن ترسم، واكتف بأدنى علمك، ولا تترأس على من دونك، بل إن كان معه شيء فأره أنك دونه حتى تأخذه منه، فإن من استعجل الرياسة قبل حينها ذل.
قال أبو حاتم، قال أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأ في حفل فإنه يستفيد منك ويتخذك عدواً.
هذا آخر الجزء السادس وهو مقطع الكتاب، وقد غرست فيه وصايا شريفة، وحكماً عزيزة، وآداباً غريبة، وأصولاً قوية، وفروعاً بديعة، متى ذللت بروايتها لسانك، وشحذت بحفظها طباعك، وراسلت بمحاسنها سجراءك، وثقفت بأحسنها نفسك، وحبرت بعيونها آدابك، كنت مخصوصاً بالسعادة، معاناً بالتوفيق، متفقاً عليه في الفضل، مشاراً إليه بالنبل، مدركاً نهاية الأصل، مجتنياً ثمرة العمر، رفيعاً عند السلطان، بهياً بين الإخوان، مخيباً عند الخصوم. والذي لا أمل تكراره عليك وإعادته عليك: الزهد في هذه الدار المؤوفة، والحذر من العاقبة المخوفة، والبدار إلى ما أراح الروح من كد