للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقف غيلان على ربيعة فقال: أنت الذي تزعم أنّ الله يحب أن يعصى؟ قال: فأنت الذي تزعم أنّ الله تعالى يحبّ أن يعصى قسراً؟! انظر إلى المعنى كيف يتردد في هذا الكتاب عن السّلف بألفاظ مختلفة، والحقّ في ذلك قائم، وهو سرٌّ من أسرار الله والخلق، لا ينكشف إّلا لمن كان صافي القلب من الهوى، قابلاً لما دعا إلى الهدى.

اعلم أنّ الحقّ قد تولاّك بإرادتين: إرادةٌ منك وإرادةٌ بك، فأما إرادته منك فإنّه أبانها لك بلسان التكليف والتّوقيف، وأما إرادته بك فإنه لواها عن كلّ تعريف وتكييف، ثم أقامك بينهما على حدٍّ أزاح فيه عللك، وأوضح إليه سبلك، ثم ساق حقوقك إليك، ثم أثبت حجّته عليك، فلم تبق بقيةٌ تقتضيها آلاء الإلهية بلسان الحكمة وتستوجبها العبودية في حال الحاجة إّلا أدناك إليها، وأناف بك عليها، فإن قابلت الأمر بالائتمار، والنهي بالانتهاء، والدعاء بالإجابة، والهداية بالاهتداء، فقد صادفت إرادته منك وإرادته بك، واستحققت بمصادفتك إرادته منك بالأمر والنّهي ما وعدك، وإن أعرضت عن الأمر عاصياً، وركبت النهي مجترئاً، واستخففت بحقّه متمّرداً، فقد نفذت إرادته بك، وتمّ علمه فيك، ولكن ثبتت حجّته عليك لما أسلفك من التّمكين وأعارك من الطّاقة، وليس لك أن تحتجّ في المقام الثاني بعلمه فيك وإرادته بك، لأن هذا بابٌ كان خافياً عنك مطوياً، ولم تكن محتاجاً إليه، ولا متعلّقاً به، ولا مستحقاً له، فقد بان لك أنك لم تدخل بعلمه فيما نهاك عنه، ولا كانت إرادته بك علّةً لك في معصيتك، لأنّ هذه الإرادة من هذا العالم تكشف لك بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>