للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عينيه. محمد هذا قليل الكلام، لكنه مفيد شريف، وكان ذا إيجاز شديد.

وحد الإيجاز بعض أشياخ العلم فقال: هو تقليل الكلام من غير إخلال؛ كأنه إقلال بلا إخلال. وهذا الشيخ حد البلاغة فقال: هي ما أدى المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ. وله حدود كثيرة في كتاب صنفه في القرآن، وأصحابنا يأبون طريقته. وكان البديهي يقول فيه: ما رأيت - على سني وتجوالي وحسن إنصافي لمن صبغ يده بالأدب - أحداً أعرى من الفضائل كلها ولا أشد ادعاء لها من صاحب الحدود، فإني مع وزني له، ونظري إليه، واستكثاري منه في عنفوان شبيبتي، لم أقطع على كفره حتى راجعت العلماء في أمره، فقال المتكلمون: ليس فنه من الكلام فننا، وقال النحويون: ليس شأنه في النحو شأننا، وقال المنطقيون: ليس ما يزعم أنه منطق منطقاً عندنا؛ وقد خفي مع ذلك أمره على عامة من ترى.

وكان البديهي هذا شاعراً، وكان شهرزورياً، وكان مغسول الشعر، ما طن له بيت. وإنما هاجه على هذا الثلب اختلافه إلى يحيى بن عدي المنطقي، ولم يحل منه بشيء من الفلسفة قليل ولا كثير، ولكن كان يجعل إصابته

<<  <  ج: ص:  >  >>