للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعدم الشيء لا يكون سبباً لوجود شيء آخر، ولا علة له ولا مشيراً، فأما القوة فإنما هي حال معرض بها للنيل، وقد يحرم لا بها ولكن معها، والعجز فإنما هي حال معرض بها للحرمان، وقد ينال لا بها ولكن عندها. وإنما لبس عليهم وهمهم أنهم رأوا النيل قرين القوة والحرمان قرين العجز في الغالب أو في الظاهر، ونسوا ما قدر فيهما من الحرمان مع القوة والنيل مع العجز؛ ومن صفا لبه وأجتمع قلبه، ولحظ المعنى الملقى إليه، علم أن العالم بأسره منساق إلى غاية واحدة في تفصيله وجملته، والإنسان أحد ما ضم إليه العالم، فهو تابع لحكمه الذي هو من شؤونه، لا ينفرد عنه شيء، كيف وكله فائدة العالم، ونسجه وتأليفه، وإنما هو مجموع مفرقه، ومؤلف أجزائه، وهو على هذا ينساق لما غلبه ويسوق لما غلب عليه، وهذه النسبة وإن اختلفت بالعبارة والإضافة، فإنه مطرد فيها ومحمول عليها، تارة بالإكراه الشديد، وتارة بالدواعي العارضة، وتارة بالقصد الذي يترجح بين الأسباب الحاضرة والغائبة، والأختيار الذي هو مستند إلى الضرورة التي هي محيلة للأختيار.

وقد طاب الكلام في هذا الفصل لأنه شيء مجاوز للنفس، وجار مع النفس، ومع ذلك أراني أمد الكلام فيه قليلاً، آخذاً بما يكون زائداً في الشرح وجامعاً للفهم، إن شاء الله تعالى. وأروي لك أبياتاً من قبيل ذلك، فإنها

<<  <  ج: ص:  >  >>