للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عزّ وجلّ ولا تتجاوزوا في الاحتياط والحزم والترقيح في المعيشة ما يليق بإيمانكم ويحفظ مروءاتكم. وقد قال السلف: تعايش الناس ملء مكيال، ثلثاه فطنةٌ وثلثه تغافل. والعرب تعتد في أمثالها قولها: الاستقصاء فرقة؛ وقال جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام: عظّموا أقداركم بالتغافل، فقد قال الله عزّ وجلّ " عرّف بعضه وأعرض عن بعضٍ ". وقال المبّرد: قال الله تعالى " ولستم بآخذيه إّلا أن تغمضوا فيه ".

واعلم أنّ هذا التأديب يجمع خير الدّين وروح الدنيا، ولهذا نوى أن المتكلمين في الدّين والمتجادلين بين المسلمين يأخذون أنفسهم وقرناءهم في بابٍ من الاستقصاء ضيّق، لا يدخله المتطامن فضلاً عن المنتصب. ولهذا قلّ التألّه فيهم، ورحلت هيبة الله عن قلوبهم، وكثر التأويل في كلّ أمورهم عليهم، وطمع فيهم الشيطان في جميع أحوالهم. والله لقد تصفّحت خلقاً لا أحصي عددهم ببغداد منذ سنة خمسين إلى يومنا هذا، فما رأيت منهم من ترجى له السّلامة إّلا رجاءً قليلاً، منهم أبو القاسم الواسطي، بل هو أشفّهم فيما تجلّى للعين وطهر للحسّ، على أنه يرمى بالنّفاق، ويقرف بالقبيح، ولا سليم على

<<  <  ج: ص:  >  >>