للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما محصت لك هذا لنقص بان لي من كاتب كبير ذي رزق واسع وجاه عريض، قرأ عليه صاحب لي من رقعة هذه الكلمة بحذف الباء فقال له: من كتب هذا؟ قال: أبو حيان، فقال: يا قوم، ما اغتراركم بما يكتب هذا الرجل ويقول؟! أما كتبه فثقيلة، وأما هذا الكلام فلا يجوز أن يكون له لرشاقته وحسنه، وإن كان له فمن قبل هذا الخطأ الفاحش الذي قد دل على عورته؛ أما يعلم أبو حيان أنه لا يقال اشتغلت كذا إلا بعد أن يقال بكذا، ولا يقال استعنت كذا حتى يقال بكذا؟ فأعاد صاحبي هذا علي، فبقيت مبهوتاً لا أحير حديثاً. ولم يكفه ذلك حتى دخل دواوين الكتاب فحكى ذلك لهم وأراهم أنه قد ظفر، فعل من لم يقع له مثل ما وقع له.

وأعلم أن شين أشتغلت ليست نظير سين أستعنت، لأن الاشتغال افتعال، والشين من سنخ الكلمة، وهي أحد أجزائها، بها تتم وعليها تنتظم، وأما الأستعانة فإن سينها مجتلبة، لأن أصل الكلمة أعان يعين، ثم تجلب بها السين للمعنى المراد، وهو سين استفعل التي هي في قولك استمال من مال، واستقال من الإقامة، وأستمتع من المتعة، وكان الأصل على التمام استعونت، ولكن قصد التخفيف على جاري العادة في كلامهم. فظن هذا البائس أن هذا الوزن إذا جمعهما فالحكم قد جمعهما، والشيء قد يخالف منظره مخبره، وظاهره باطنه، وجليته سره.

<<  <  ج: ص:  >  >>