على أنّي ما أخليت هذا الكتاب - مع التقصير - من حجّةٍ إن سمعت أشرق وجهي، وأضاء بصري، وتقوّم منآدي، ونمى قدري، ومن عذر إن تفضّل بقبوله حسنت حالي، واطمأنّ بالي، وسقط ما علّي، وثبت ما لي، ولكنّ الإنصاف معدومٌ في الوهم والحلم، فكيف يلتمس في التحقيق واليقظة؟ وإذا علم الله صلاح النيّة وشرف العزيمة فكلّ ما عداه جلل.
قال أحمد بن الطّيّب، في كتاب وضعه، قولاً متى سقته هاهنا كان لي عذراً عن الخصم إن آثر البقيا، ولم ينتهز الفرصة في العداوة، وأحبّ لي السّلامة بعد العثرة، كما تمنّى لنفسه الاستمرار بعد التوفيق؛ قال: واعلم أنّ قوماً سيقولون: من واضع هذا الكتاب؟ فإن قيل: أحمد بن الطّيّب قالوا: ومن أحمد بن الطّيّب؟ فإن قيل لهم: السّرخسيّ مولى أمير المؤمنين، قالوا: ومن السّرخسيّ مولى أمير المؤمنين؟ فتكون مسألة السائل كأنّها بحالها، وقد استفرغ المجيب جهده. وأحمد بن الطّيّب لا يحبّ أن يخطّي به أحدٌ اسمه واسم أبيه وولاءه والبلد الذي فيه مولده ومولد أبيه، ثم بعد ذلك قيمته ومقداره من العلم، بعد أن يكون المقوّم منصفاً غير جائر، وسليم الطبع غير حسود، فإنّ عليًّا رضي الله عنه يقول: قيمة كلّ امرئٍ ما يحسن؛ وقال: قال أصحابنا: لم نر كلمةً أحصّ على طلب العلم من هذه