هذا الجزء التاسع من البصائر، وكان عذري فيه - أعني الكتاب - أنه يتم بما يسر الناظر، وأرى العجز قد قهر، والاستعفاء قد حسن، والعذر قد وجب، لأن البقية من مذاكرة الأدب إذا اختصها هذا الجزء بقيت بقية في الصوفية، وقد كان الوعد سلف إفرادها عن سائر الفنون، وبقيت بقية أخرى من فلسفة الفلاسفة. وقال لي بعض إخواني: قدم من هذين الفنين ما إذا تخلص من الجملة كان لأثره وقع، فاقتصرت على ذلك، ولعمري إن الوصف على ما يأتي عليه، ولكن ليس الرأي على ما أرشد إليه، لأني فقير إلى ما يستغني هو ونظراؤه عنه، وضماني لا يزول برأي غيري، وحاجَتي لا تسقط بكفاية من سواي، وأنا جار على المصلحة المنوية في هذا الكتاب لنفسي ولمن يجري مجراي، ويعتذر إلى من خالفني في هذا الرأي. ولم يختر هذا التطويل، لأن الرغبة الصادقة في العلم تخفف علي كل (ثقيل) ، وتذلل كل صعب، وتزيل كل زهد، وترسل على الجساء ناعماً، و (تجعل) منظر الشوهاء رائعاً، وبعيد المطلوب دانياً، ووعر المحتاج إليه سهلاً، وأبي المتمني سمحاً، وعصي المراء طيعاً. واعلم أن المحظوظ من أنعم بالعلم عليه، ووفق للإخلاص فيه، وحشي سره طمأنينة، وبوشر قلبه بالسكون، ورفع همه عن الإشناق إلى ما لا يليق به واستشراف ما لا يصل إليه، ولن يحسن هذا المحظوظ عشرة هذه النعمة، ولا يستمتع بنضرتها، ولا يحمد غبها، دون أن يكون رائضاً للسانه على الشكر، وعامراً لصدره بالإخلاص، وهاجراً للهوينا في ما اجتلب الزيادة، مجانباً للتفريط في ما وكل به المقت والتصق به العار أو وصمته القالة؛ ولن ينتفع بهذه المقدمات كلها دون أن يعلم أن الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، وأن من فاتته في العاجل صنع له، وأن ما نال منها وبال، وأن القرار في دار الآخرة التي من سلك سبيلها نجا، ومن راغ عن