الله، أن الله يلهم المحتصين، ويمد قلوبهم بدواعي الخير وخواطر الحق، وكان لا يسيغ هذا النمط، وإنما خرج إلي بذات صدره للأنس الذي كنت معه عليه. وكان أصحابنا المتكلمين لا يرون له وزناً في الكلام، ولا يعدونه في طبقة أهل التمام، ويقولون: الفقه مسلم إليه، والسير موقوفة عليه، فأما ما عداهما فهو ظالم فيه إن تكلم، ومقصر إن توهم.
وقال صاحب الكتاب: فأما من استدل على وجوب المعرفة بأن الله تعالى لو لم يوجبها لكان قد أباح الجهل به، فليس يتم، لأن الجهل قبيح، وكون الشيء مباحاً يفيد حسنه. وزعم أن بعض الناس قال: الدلالة على أنها - يعني المعرفة - من أول الفرائض يعني أن الطاعة لا تصح لمن لا يعرف.
قال - وهذا تقريب -: ألا يرى أن، الطاعة إنما كانت طاعة لموافقتها الإرادة، وقد يصح أن يوافق الفعل إرادة الله وإن كان الفاعل لا يعرفه، بأن ينصر مظلوماً أو يغيث ملهوفاً، وإن ذلك يقع حسناً طاعة لله عز وجل مع الجهل به. فقد بان لك أن ما قاله تقريب.
وهذا أيضاً - أيدك الله - كلام طريف، لأن إغاثته الملهوف، ونصرته المظلوم، متى وقعتا موافقتين لإرادة الله، والله إنما أراد وقوعهما منه على صفة معروفة، وهو أن يكون عارفاً بالله غير جاهل به، ومتى لم يوجد على هذه الصفة، كان فعله حسناً وطاعة إذا أضيف إليه لا إلى الله عز وجل، ووقعت عليه لا على الله عز وجل، لأن الفعل لا يصح ان يكون طاعة إلا والفاعل مطيع، والفاعل لا يكون مطيعاً إلا وهناك مطاع، ومتى أجيز لنا المطاع عن معرفة لم نعتد بطاعته، ولم نطمئن إلى حسنه، لأن، ذلك حسن ما دام ظاهره مشاركاً لظاهر العارفين، فأما وباطنه مناف لباطن العارفين فليس فعله بحسن ولا طاعة.