هذا - حرسك الله - الجزء الثالث، وقد سار إلى جزانتك الجزءان قبله، ولولا حسن موقعهما منك، وبهاؤهما في عينك، وتقريظك لهما بلسانك، وإعجابك بهما باستحسانك، لكان نشاطي يقل، وحدي يكل، ويدي ترفض ارفضاضاً، ويميني تنفض انفضاضاً، ولكني أحمد الله الذي زيتك بتعرف المعارف، وجعل ظلك فيها الظل الوارف، حتى خف عليك الغرم الثقيل، وبذل المالا الجزيل، وإكرام العلم وأهله، وتعظيم الفضل وأربابه، فلا زال نصيبك من محبة العلم فوق نصيبك من محبة المال، وقسطك من التعلم فوق قسطك من الدعوى، وقد جبلك الله على خلق لو باهيت به قرناءك، وساجلت عليه عشراءك، كان لك السبق المبر، والخالصة والسر؛ نسأل الله بمجموع همتك، وخلي ذرعك، وفارغ بالك، أن يجبر كسرنا، ويفك أسرنا، ويصرف حسن الدنيا عن قلوبنا، ويوصل حلاوة الآخرة إلى صدورنا، ويهدينا إلى الصراط وأوضح السبل، ولا يكلنا إلى اللهو واللعب فنعطب، ولا يوكل بنا التشمير والجد فتتعب، ولكن قواماً بين ذلك، فخير الخير ما أخذ الواسطة واستقر في المنصف.
وآعلم - لقيت المنى، وجنبت الردى - أنا قد أصبحنا في دار رابحها خاسر، ونائلها قاصر، وعزيزها ذليل، وصحيحها عليل، والداخل إليها مخرج، والمطمئن فيها مزعج، والذائق من شرابها سكران، والواثق بسرابها ظمآن، ظاهرها غرور، وباطنها شرور، وطالبها مكدود، وعاشقها مجهود، وتاركها محمود، والعاقل من قلاها وسلا عنها، والظريف من عابها وأنف منها، والسعيد من غض بصره عن زهرتها، وصرف نفسه عن نضرتها، وليس لها فضيلة إلا دلالتها على نفسها، وإشارتها إلى نقصها، ولعمري إنها لفضيلة لو صادفت قلباً عقولاً، ولساناً قؤولاً، وعملاً مقبولاً، لا لفظاً مقولاً؛ إلى الله