صفت فليس من طبعها أن تدوم. وقد رأيت مصارع المغترين بها، وعواقب الخافضين فيها، كيف ملأت القلوب عبرة، والعيون عبرة.
وليكن همك مطوياً على العلم والعمل والإخلاص والشكر والعفة والطهارة والصدق، فإن هذه صفات ملائكة الله المقربين، وحلي أنبيائه المرسلين. واطلب الكمال جهدك في كل ما خفف الخير عليك، ونظم شمل الإحسان بين يديك، واتق النقص عائفاً له، متبرئاً منه، هاجراً للناقص، إنه كالعليل الذي لا بد له من التذلل للطبيب، يصبر على من يخرجه من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن لغب العمى إلى روح البصيرة، ومن خناق العي إلى اتساع البيان، ومن أسر العدو إلى فكاك الولي، ومن شماتة الحاسد إلى مسرة الصديق، ومن حبس العجز إلى ساحة الدرك.
هيهات! أين هذا المعنى بنفسه الذي يرى حياته من مواهب الله النفيسة، وزمانه من نعمه الكريمة، فيدأب في كسب الكمال واستمداد الفضل وطلب العلم، مرة بدرس كتاب، ومرة بمذاكرة نظير، ومرة بخدمة عالم، مستعيناً بالله في تصرفه ومستقره، عالماً أنه لا مانع لما أعطى، ولا معط لما منع. نعم، ولن يتم له ذلك أيضاً حتى يغار على الحكمة غيرته على الحرمة، ويصونها كما يصون العشيقة، وينفر مما قدح فيها أو تحيف منها، كما ينفر من القاذورة الشنعاء والداهية الشعواء، وحتى يخدمه بالتنقيح ساهراً، ويقيه لاحق العيب باطناً وظاهراً، ويبعده من الطعن غائباً وحاضراً، فعند ذلك يشرفه ويفضله، ويزكيه ويعدله، ويقوم في النوادي الحافلة خطيباً بمحاسنه، ويدخله مضمار السابقين، وينزله لسان صدق في الآخرين.
وينبغي أن تعلم أن من أراد خطابة البلغاء على طريقة الأدباء، ومجاراة