استهدفت فيه لثلب الثالب، وعتب العاتب، لما فيه من النوادر الملهية، والألفاظ السخيفة، والمعاني المهجورة، وإن كان في أثناء ذلك وخلاله، من الحكم البالغة، والحجج الدامغة، والألفاظ الحرة، والمرامي البعيدة، ما يلزمك معه أن تهب إساءتي لإحساني، وتتغمد خطائي لصوابي؛ ولئن كانت السيئات يحبطن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات. فهذا عذري وهذاك عتبك، ومتى تجاذبنا أهدابهما، وتنازعنا أسبابهما، كان لنا مقال ومجال، لتصرف التأويل بين دعواي وبينتك، واعتراض الاحتمال عن شبهتي وحجتك. على أني لو رأيت للبيان سوقاً، وللعلم أهلاً، وللحكمة طلاباً، وللأدب محبين، وللعلم مقتبسين، أنفت من هذا الاعتذار، وانصرفت عن هذا التزوير، لأني ما جمعت لك في هذا الكتاب إلا ما اجتناه من عقله أكبر من عقلي، واختياره أبلغ من اختياري، ونقده أحسن من نقدي، وذيله في التجارب أطول من ذيلي، وإنما لي ما تلقطته من أقوالهم بعد التحرير والتقرير، وبين التكرير والتفسير، ولم أنفرد فيه إلا برسالة أشرت بها على تقصيري عند من إن كان أكثر أدباً مني فإنه يوفيني حقي، ثم يأخذ بيدي متفضلاً علي.
وإنما مددت جناح هذا الفصل لأنني سمعت بعض من ليس له من العلم إلا الدعوى يقول: وما في جمع ملح الناس ونوادرهم من علامة الفضل، ودلالة الأدب، وصواب الاختيار حتى يقال: ما قصر أبو حيان في كتاب البصائر: