حقيقة ما أقول، عرفت عن كثب بلا تعب. ولقد ذكرت في هذا المكان مسألة جرت بحضرة فاضل حضرته فوعيتها، ولعلها تقتضي مكانها من هذا الموضع، فتعلم أن السلامة من السباع الضارية والأفاعي العادية أكثر:
رأيت رجلاً سأل أبا عبد الله الطبري عن الحكمة في خلق الله تعالى الحية والعقرب والأسد، مع ما فيها من الضرر الظاهر والأذى القاهر، فقال أبو عبد الله: حدثني أيها الرجل مذ كم لسعتك عقرب أو لدغتك حية أو افترسك أسد؟ قال: ما أذكر شيئاً من هذا مذ كنت، قال: فمتى عهدك بمن عابك واغتابك، وسبعك وكتم محسانك، ونشر إساءتك، وسعى في هلاكك، وعزم في تلفك، وبذل على فنائك، وسهر في عطبك؟ قال: أقرب عهد، قال: فإن كنت عرفت الحكمة هناك فسقها إلى مسألتك، وإن كنت جهلتها هناك وسلمتها لخالقك فاجهلها هنا وسلم لخالقك. ثم اقبل على السائل فقال له: الدين النصيحة؛ إياك أن تقول فيما بث الله في العالم، وخزنه في هذا الفلك، وطواه من هذا الخلق: لم وكيف؟ فإنك توكل فيه إلى نفسك، وتعجز عن حقيقة ما استأثر به العالم بك؛ فسكت الرجل.
أتيت بهذا الحديث توكيداً لما سلف في ضمن الكتاب، فانتبه لما أوعيتك وأوحيت إليك؛ نعم، واعلم أن الرابعة فيها تمام الوصية: الزم العلم على هدي الصالحين، فلن يخليك الله من يده، ولا أخلاك من رفده إن شاء الله.