المحنة بالأقدار السالفة، والخفيات السماوية، إلى العقل الذي به يعتدل كل مزاج، وإليه يرجع كل علاج، فركب لي شربة أنا أتحساها وأتمزز بها؛ قيل له: عرفناها، قال: هي مركبة من أشياء: أولها أني قلت: القضاء والقدر لا بد من جريانه؛ والثاني أني قلت: إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث أني قلت: يجوز أن يكون أشد من هذا؛ والرابع أني قلت: لعل الفرج قريب وأنت لا تدري؛ قال، فقلت: أورثني هذا سكوناً، ووكل بي راحة، وعلى الله أعتمد في تمام المأمول.
سمعت الشيخ المجتبى يقول: كان عندنا بالشام مجنون يستظرف حديثه، قال: رأيته يوماً وقد رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: الناس كذا يعلمون، وهذياناً كثيراً، فقيل له: ما تقول ويحك؟ قال: أعاتب ربي، قيل له: فكذا تخاطب الله؟ قال: وما علمكم بمخاطبة الملوك؟ قيل له: فما قلت؟ قال، قلت: بدل ما خلقت مائة وجوعتهم كنت تخلق عشرة وتشبعهم.
وهذا كلام مجنون لا يحاج فيما يقول، ولا يرد عليه ما يأتي به، وإنما يستطرف فقط لأنه يخرج منه ما لا يتوقع من مثله. وعلى هذا يتعجب من الصبي إذا أجاب وفطن وأهتدى وتكايس، ومن وهب الله له عقلاً، وكلفه الإقرار، وألزمه الأمر والنهي، فهو صحيح العقيدة، ثابت الأساس، وإنما يخرج بطبعه الذي بني على العجز، وعجن من الخور، وأسس للفناء، وعلى أن الله تعالى لا يخليه في هذه الصفات من ثواب كريم، ونعيم مقيم، في دار الرضوان؛ كفانا الله تعالى وساوس الصدور، وغمر أسرارنا بالمعرفة والخوف، إنه جواد كريم واحد أحد.
قيل لراهب: ما لك إذا تكلمت بكينا، وإذا تكلم غيرك لم