فأقرت الأنصار بذلك، وسلموا الأمر لقريشٍ، ورأوا أن الذي قال خطيب قريشٍ صوابٌ. ثم لم ينازع ذلك قريشاً أحدٌ من الأنصار بعد ذلك إلى يومنا هذا.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان تسليم الإمرة من جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار يومئذٍ لقريشٍ عن رضاً منهم، وتصديقٍ من جمعيهم خطيبهم القائل:((نحن الأمراء وأنتم الوزراء)) ، إلا من شذ منهم عن جميعهم الذين كان التسليم لقولهم به أولى، وكان الحق إنما يدرك علمه ويوصل إلى المعرفة به، مما كان من العلوم لا تدرك حقيقته إلا بحجة السمع:
(أ) إما بسماعٍ شفاهاً من الرسول صلى الله عليه وسلم.
(ب) وإما بخبرٍ متواترٍ يقوم في وجوب الحجة به مقام السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً، أو بنقل الحجة ذلك عملاً.
وكان الخبر قد تواتر بالذي ذكرناه من فعل المهاجرين والأنصار، وتسليمهم الخلافة، والإمرة لقريش، وتصديقهم خطيبهم:((نحن الأمراء وأنتم الوزراء)) من غير إنكارٍ منهم، إلا من شذ وانفرد بما كان عليه التسليم لما نقلته الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الإمارة لقريشٍ دون غيرها، كان معلوماً بذلك أن لاحظ لغيرها فيها.