شيئاً، فصار أمري إلى أن رضيت وقنعت، وانتقلت من بيت الناسك إلى البرية، وكان لي صديق من الحمام، فسيقت إلي بصداقته صداقة. ثم ذكر لي الغراب ما بينك وبينه من المودة، وأخبرني أنه يريد إتيانك، فأحببت أن آتيك معه، فكرهت الوحدة، فإنه لا شيء من سرور الدنيا يعدل صحبة الإخوان، ولا غم فيها يعدل البعد عنهم. وجربت: فعلمت أنه لا ينبغي للعاقل أن يلتمس من الدنيا غير الكفاف الذي يدفع به الأذى عن نفسه: وهو اليسير من المطعم والمشرب، إذا اشتمل على صحة البدن ورفاهة البال.
ولو أن رجلاً وهبت له الدنيا بما فيهان لم يك ينتفع من ذلك إلا بالقليل الذي يدفع به عن نفسه الحاجة: فأقبلت مع الغراب إليك على هذا الرأي، وأنا لك أخ، فلتكن منزلتي عندك كذلك. فلما فرغ الجرذ من كلامه أجابته السلحفاة بكلامٍ رقيقٍ عذبٍ، وقالت: قد سمعت كلامك، وما أحسن ما تحدثت به! إلا أني رأيتك تذكر بقايا أمورٍ هي في نفسك. واعلم أن