للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على أن المراد: بقوله "غفرت" أغفر، على طريق التعبير عن الآتي بالماضي مبالغة في تحققه.

قال: والذي يظهر أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف، تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة. وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك، فإنهم لم يزالوا عن أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا، ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة.


عن عروة: "فسأغفر لكم". "وهذا يدل على أن المراد بقوله: غفرت: أغفر على طريق التعبير عن الآتي" في المستقبل "بالماضي مبالغة في تحققه", كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} ، فقصر من أجاب عن إشكال قوله: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". من أن ظاهره الإباحة، وهو خلاف عقد الشرع بأنه إخبار عن الماضي، أي كل عمل كان لكم فهو مغفور، وأيده بأنه لو كان للمستقبل لم يقع بلفظ الماضي ولقال: فسأغفر لكم، وقد تعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قاله في أمر حاطب، فدل على أن المراد ما سيقع، وأورد ماضيا مبالغة في تحققه "قال" الحافظ في الفتح: "والذي يظهر" في الجواب عن الإشكال المذكور "أن هذا الخطاب" والأمر في قوله: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". "خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة" قبل بدر "وتأهلوا" أي: صاروا أهلا "أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة" إن وقعت، أي كل ما عملوه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور خصوصية لهم. قاله الحافظ في بدر وما أحسن قوله:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
قال المصنف: وليس المراد أنه نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة، بل له صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع، ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء وجود ذلك الشيء، "وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله" الصادق والمصدوق صلوات الله وسلامه عليه "في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك، فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا، ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة", امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية، وهي تمحو آثار الذنب: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، ومن أولى بها من أهل بدر، ولذا لما شرب قدامة بن مظعون من أهلها أيام عمر وحده رأى عمر في المنام

<<  <  ج: ص:  >  >>