للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تكن الرجفة المذكورة خوفًا من جبريل عليه السلام، فإنه صلى الله عليه وسلم أجل من ذلك وأثبت جنانًا، وإنما رجف غبطة بحاله وإقباله على الله عز وجل، فخشي أن يشغل بغير الله عن الله.

وقيل: خاف من ثقل أعباء النبوة.

وفي رواية البيهقي في الدلائل: أن خديجة قالت لأبي بكر: يا عتيق اذهب به إلى ورقة، فأخذه أبو بكر، فقص عليه ما رأى، فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا خلوت وحدي سمعت نداء: يا محمد، فأنطلق هاربًا" , فقال: لا تفعل إذا قال: فاثبت


مجوزًا اكتساب النبوة، نعم لا يقصر كما قال بعض المتأخرين شأن مجوز اكتساب الولاية عن التبديع، "ولم تكن الرجفة المذكورة" في قوله: فلم أثبت له، وفي رواية: فرعبت منه، وفي أخرى: فجئت بضم الجيم وكسر الهمزة وسكون المثلثة ففوقية، وفي أخرى: فجثثت بمثلثتين من جثى كعنى، وفيه روايات أخر والكل في الصحيح. "خوفًا من جبريل عليه السلام، فإنه صلى الله عليه وسلم أجل من ذلك وأثبت جنانًا" بفتح الجيم، أي: قلبًا، "وإنما رجف" بفتحتين "غبطة" بكسر الغين: فرحًا، "بحاله" وهي في الأصل حسن الحال؛ كما في القاموس. "وإقباله على الله عز وجل فخشي أن يشغل بغير الله عن الله" وقد أمن الله خوفه فلم يكن يشغله عن الله شيء، "وقيل" لم يخش ذلك بل "خاف من ثقل أعباء النبوة" أثقالها جمع عبء مهموز، فالإضافة بيانية.
"وفي رواية البيهقي في الدلائل أن خديجة قالت لأبي بكر" الصديق، قال الزمخشري: لعله كنى بذلك لابتكاره الخصال الحميدة، "يا عتيق" ظالهر في القبول بأنه اسمه الأصلي؛ لأن أمه استقبلت به الكعبة لما ولد وقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت؛ لأنه كان لا يعيش لها ولد، وقيل: سمي به لقول المصطفى: "من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى أبي بكر"، وبينهما تناف، فإن قول خديجة قبل ظهور النبوة وقد يتعسف التوفيق بأنه اسمه ابتداء لكن لم يشتهر به إلا بعد قول المصطفى، والصحيح ما جزم به البخاري وغيره أن اسمه عبد الله بن عثمان. "اذهب به إلى ورقة، فأخذه أبو بكر فقص عليه ما رأى" ووفق العيني بين هذا ونحوه وبين ما في الصحاح: أنها ذهبت معه إلى ورقة بأنها أرسلته مع الصديق مرة وذهبت به أخرى، وسألت عداسًا بمكة وسافرت إلى بحيرا؛ كما رواه التيمي كل ذلك من شدة اعتنائها به صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، انتهى.
وبين ما قصه بقوله: فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا خلوت وحدي سمعت نداء: يا محمد فأنطلق هاربًا" , خوفًا أن يكون من الجن، "فقال: لا تفعل، إذا قال" المنادي ذلك "فاثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>