فمن بعدهم، على نقل هذا الحديث وجمعه وتنقيته من شوائب التحريف والتزيد، وما قام به علماء السُنَّة من جهود جبارة في تتبع الكذابين والوضَّاعين، وفضح نواياهم ودخائلهم، وبيان ما زادوه في السُنَّة من أحاديث مكذوبة، حتى جمعت السُنَّة في كتب صحيحة، وأشبعها النُقَّاد بحثاً وتمحيصاً، ثم خرجوا من ذلك إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بها، إذا أمعنت النظر في ذلك كله، أيقنت أنَّ هؤلاء المستشرقين يخبطون في أودية الأوهام، ويتأثرون بأهوائهم [وتعصبهم في الحكم على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المحقق المنصف إسفافاً وتلاعباً بالعلم، وإخضاعاً لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية](١).
ثانيًا - ما أشار إليه السيد أبو الحسن الندوي من أَنَّ الصحابة بدأوا في تدوين الحديث في عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت هناك مجموعات من الأحاديث لعدد من الصحابة منها " الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو بن العاص، وكان لِعَلِيٍّ بن أبي طالب صحيفة، وكان لأنس ولعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، لكل منهم صحيفة، وهناك " صحيفة هَمَّاٍم بْنِ مُنَبِّهٍ، فإذا جمعت هذه الصحف والمجاميع كونت العدد الأكبر من
(١) [نقلاً عن " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص ١٩٥. الطبعة الثالثة - بيروت: ١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان].