قلوبهم من نور اليقين، وشرح له صدورهم من فهم كتابه المبين، لانقصفت الظهور، وضاقت عن الكرب الصدور، ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور، فقد كان الشيطان أطلع إليهم رأسه، ومد إلى إغوائهم مطامعه، فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف، لكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ويعلي كلمته، وينجز موعوده، فأطفأ نار الردة، وحسم مادة الخلاف والفتنة على يد الصديق رضي الله عنه، ولذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: لولا أبو بكر، لهلكت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها.
وروينا عن عائشة رضي الله عنها قالت:((لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، لفقدهم نبيهم صلى الله عليه وسلم)) .
وقالت أيضاً رضي الله عنها:((توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو نزل بالجبال الصم ما نزل بأبي لهاضها، ارتدت العرب، واشرأب النفاق، فما اختلفوا في نقطةٍ إلا طار أبي يخطها وعنا بها)) .
الارتداد: الرجوع إلى الكفر بعد الإسلام –أعاذنا الله منه-، ومعنى (اشرأب) أي ارتفع وعلا، ونجم النبت ينجم إذا طلع، وكل ما طلع وظهر فقد نجم، وخص ما لا يقوم على ساق من النبات باسم النجم، كما خص القائم منه على ساق باسم الشجر.
قولها ((في نقطة)) : أي في أمرٍ وقضية، وهو بالنون، وقيده الهروي بالباء الموحدة، وأخذ عليه.
قال بعض المتأخرين: المضبوط عند علماء النقل أنه بالنون، وهو من كلامٍ مشهورٍ، ويقال عند المبالغة في الموافقة، وأصله في الكتابين يقابل أحدهما بالآخر فيقال: ما اختلفا في نقطة، يعني من نقط الحروف والكلمات، أي بينهما من الاتفاق ما لم يختلفا معه في هذا القدر اليسير.
وقولها: لهاضها، يقال: هاض العظم يهيضه هيضاً إذا كسره بعد