علي بن أبي طالب يوما فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا عباد الله! لا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار البلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالقدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي ما بين أهلها دول وسجال، لن يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها في رخاء وسرور، إذا هم منها في بلاء وغرور، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها، عباد الله! إنكم وما أنتم من هذه الدنيا عن سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد منكم بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة الصخور، والأحجار المسندة في القبور، الملاطية الملحدة التي قد بين الخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكلة البلى وأكلتهم الجنادل والثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد