رأيت الحسن البصري فِي جنازة نوار امرأة الفرزدق، وقد اعتم بعمامة سوداء وقد أسدلها بين كتفيه، واجتمع الناس عَلَيْهِ ينظرون إِلَيْهِ.
فجاء الفرزدق يمشي حَتَّى قام بين يديه فَقَالَ: يَا أبا سَعِيد، يزعم الناس أنه قد اجتمع فِي هَذِهِ الجنازة خير الناس، وشر الناس قَالَ: من خير الناس؟ ومن شر الناس؟
قَالَ: يزعمون أنك خيرهم، وأني شرهم فَقَالَ: مَا أنا بخير الناس، وما أنت بشرهم، ولكن مَا أعددت لهذا اليوم؟ فَقَالَ: شهادة أن لا إله إِلا اللَّه منذ سبعين سنة.
فَقَالَ الحسن: نعم، والله العدة قَالَ: ثُمَّ قَالَ الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذ جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إِلَى النار مشدود القلادة أزرقا
إذا شربوا فِيهَا الصديد رأيتهم ... يذوبون من حر الجحيم تمزقا