٤٠- سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن نصر الصيرفي بالري يقول: كان بصعيد مصر رجلٌ ينفق على الصوفية إذا اجتازوا به، وكان قد أضمر في نفسه ضميراً، فمتى رأى ذلك الضمير الذي أضمره ترك الدنيا وصحب الصوفية، وكان له خدم يخدمون بين يديه، فإذا جاء وقت استعمال الماورد تولى هو بنفسه ذلك. فقدم عليه في بعض الأيام ⦗٤٠⦘ جماعة عظيمة، وكان في جملتهم شابٌ لا يؤبه له، فخدمهم كما جرت العادة، فلما كان وقت الماورد أخذ قرابه ودار على الجميع، إلى أن انتهى إلى ذلك الشاب في أخريات الناس، فتربع الشاب وبسط يديه، وأقلب ذلك الرجل في يده جميع القرابة، ولم يرفع رأسه ولم يقل: بس، والجماعة يغتاظون من فعله، ولم يزل كذلك إلى أن أقلب على يديه أربعين قرابة ماورد، فلما كان في الأخيرة ولم يبق فيها غير قليل رفع رأسه وقال له: بس، فقال الرجل: لا حول ولا قوة إلا بالله قتلتني. فقال: أيها الشيخ إن المقام الذي أنت فيه خير من المقام الذي تطلبه.
وكان الضمير أنه متى ما أقلب على يد فقير ولا يقول: بس، ترك الدنيا وصحب القوم، ثم خرج الشاب ولم ير بعد ذلك.