للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مُبيِّنًا حقيقة هذه الشُّبهة: (وجماع شبهتهم في ذلك أنَّ الحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أَجزائها كالعشرة فإنه إذا زال بعضها لم تبق عشرة وكذلك الأَجسام المركبةُ كالسَّكنجبين (١) إذا زال أحد جزئيه خرج عن كونه سكنجبينًا.

قالوا: فإذا كان الإيمان مركبًا من أَقوالٍ وأَعمالٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ لزمَ زواله بزوال بعضها. وهذا قول الخوارج والمعتزلة، قالوا: ولأنه يلزم أن يكون الرجل مؤمنًا بما فيه من الإيمان، كافرًا بما فيه من الكفرِ فيقوم به كفر وإيمان، وادَّعوا أَنَّ هذا خلاف الإجماع ... ) (٢)

وأمَّا المرجئةُ فقد خالفوا الوعيديةَ في نفي الإيمانِ عن مرتكب الكبيرة فأثبتوا الإيمانَ له لكنَّهم أَخرجوا العملَ عن مُسمى الإيمان بناءً على استحالة التفاوت في مسمى الإيمان؛ إذ إدخال العمل في الإيمان يقضي بانتقاضِ الإيمانِ بالكلية بمجرد حصول النقص فيه.

والعجيب: اتفاق الطائفتين- أعني الوعيدية والمرجئة - على رَمي أهل السنة والجماعة بالتناقُض فيما ذهبوا إليه من جمعهم بين كون الإيمان حقيقة مركبة، وأنّه مع ذلك يقبل التفاوت فرأت تلك الطائفتان ماذهب إليه أهل السنة والجماعة مخالفةً منهم للضرورة العقلية، وضَربًا من ضروب التناقض.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (وكان كلٌ من الطَّائفتين يَعدُّ السَّلفَ والجماعة وأهل الحديث =متناقضين حيث قالوا: الإيمان قول وعمل، وقالوا مع ذلك لايزول بزوال بعض الأعمال حتى ابن الخطيب وأمثاله جعلوا الشافعي متناقضًا في ذلك، فإن الشافعيَّ


(١) السكنجبين: فارسي معرب، وهوشراب مُركّب من عَسَلٍ وخلٍّ ونحوه = انظر: "قصدالسبيل"للمحبي (٢/ ١٤٣)،و"معجم الألفاظ الفارسية"لأدي شير (٩٢)
(٢) "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥١١)

<<  <   >  >>