(وذهب أصحابُنا إلى أنَّ الإيمانَ يزيدُ ولا ينقص، وبيان ذلك: أنَّ الإيمانَ عندنا هو الوفاءُ بجميعِ الواجبات، فمن وجب عليه فرضٌ لايكون مؤمنًا حتى يؤديَه على وجهه ثم يزيد الإيمان بزيادة التكاليفِ، ولا يصح نقصُه لأنَّ نقصَه إخلالٌ ببعض الواجبات، وقد تقدم أنَّ التاركَ لبعض الواجبات عليه خارجٌ عن الإيمان فالترك لبعضه ترك لجميعه أي: لا ينتفع ببعض إيمانه في الآخرة)(١)
وقد يُظنُّ أنَّ المعتزلةو الإباضيّة يوافقون بعضَ أَهل السُّنة الذين أَثبتوا الزيادة في الإيمان ولم يثبتوا النقص كمثل ما ثبت عن الإمام مالك -رحمه الله- من إثباته الزيادة، وسكوته عن النقص =ولكن هذا الظنّ غير مسدد، بل الخلاف بين أَهل السنّة ومخالفيهم خلاف معنوي حقيقي، وليس هناك توافق ألبتَّة، وبيان ذلك بتوضيح قضيتين:
الأولى: أنَّ أَهل السُّنّة قد انعقد الإجماع عندهم على أَنَّ الزيادة في الإيمان هي زيادة في حقيقته، لا في أَمر خارج عنه، وكذلك النقص.
وأَمَّا المعتزلة والإباضية فقد جعلوا الزيادة فيما يتعلق بالتكاليف التي هي أوامر الله تعالى، لا أَن الزَّيادة واقعةٌ في حقيقة الإيمان المتعلقة بالعبد، وهذا هو الفارق الحقيقي بين قول أهل السنّة وأَقاويل غيرهم من أهل البِدَع.
الثانية: أنّه على فرض أنّ الرِّواية عن الإمام مالك بتوقفه في القول بنقصان الإيمان، هي آخر ما ثبت عنه في ذلك =فإنّ من المعلوم بداهةً أَن القولَ بالتوقف يخالف الجزم بنفي النقص في الإيمان، فإنّ ما أورده الإِمامُ ابنُ عبدِ البرِّ في سياق ترجمته للإمام مالك، يدلُّ النّاظرَ على أنّ الإمام مالك لم يجزم بنفي النقص، قال الإمام الحافظ ابن عبدالبر - رحمه الله -:
(١) "بهجة الأنوار شرح أنوار العقول في التوحيد"للسَّالمي (١٢٤ - ٢٥)