للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنَّ الله لم يكن ليذر الأُمّة على خلاف الحقِّ. ومثل هذا الجواب عن هذا الافتراض يقدر في خصوص التَّابعين، ومن بعدهم.

ثانيًا: أَنَّ التسليم بأنَّ ما فهمه هؤلاء الصحابة الذين تقدم نقل فُهومهم؛ هو الأَصل =يستدعي البقاء على هذا الأَصل وعدم الخروج عنه إلَاّ بيقين، فأين الدليل الموجب للخروج عن هذا الأصل عند المخالفين؟

ثالثًا: ما سبق بيانه هو في تقدير انتفاء ما يؤكِّد سلامة بقاء ذلك الأصل عند متقدمي الأمَّة، كيف وقد نَقل المناوي المنع عن السَّفر لبقعة غير مااستثناه الشَّارعُ عن الإمام مالك - رحمه الله - (١)،والأئمة الثلاثة إخوانٌ له و تَبَعٌ له فيما ذهب إليه، ولم يُنقل عنهم ما يكُدِّرُ ذلك.

ولا يضير هذا الاتفاقَ خلافُ المتأخّر؛ فإنَّ المخالِف محجوج بالاتفاق المستقرّ قبل حدوث مخالفته.

يقول الإمام ابن تيميَّة: (ولهذا لا يقدِر أحدٌ أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين، أنّه يُستحبّ السفر إلى زيارة قبر نبي، أو رجلٍ صالحٍ؛ ومَنْ نقل ذلك فليُخرِج نقله.

وإذا كان الأمر كذلك، وليس في الفتيا إلاّ ما ذكره أئمة المسلمين وعلماؤهم = فالمخالف لذلك مخالف لدين المسلمين وشرعِهم، ولسنّة نبيّهم، وسنّة خلفائه الراشدين، ولما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه) (٢)

رابعًا: يتأكد ما سبق بما علم ضرورة من سدِّ الشريعة لكُلِّ ذريعة من شأنها أن تُوصِلَ إلى الشِّرك، وأحاديثُ الباب تُفهم في ضوء هذا المعقد الجليل من معاقد التوحيد.

وبذلك تسْتبينُ زيف دعوى الإجماع على استحباب السفر إلى زيارة


(١) انظر: "فيض القدير "للمناوي (٦/ ١٤٠)،و"جلاء العينين"للآلوسي (٥٨٠)
(٢) "الجواب الباهر " لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٧/ ٣٦٩=من مجموع الفتاوى)

<<  <   >  >>