للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن من الواضح هنا أن هذا الموقف الأنطولجي الثنائي مثيرٌ للجدل جدًّا؛ بل إنه يفتقر إلى القابلية للفهم؛ فليس واضحًا ... إن الفحوى الأساس لما سبق؛ هو: أنه لا يمكننا أن نخطو الخطوة الأولى في اتجاه التسليم بصدق افتراض وجود طرق غير عقلية للمعرفة؛ إلاّ إذا افترضنا على الأقل = إمكان وجود حقائق ميتافيزيقية متخطية لحدود المعرفة العقلية. ولكن الافتراض الأخير هو افتراض فلسفي في الصميم، ولا يستقيم بدون سند عقلي ... ) (١) .

وقد سبقه إلى هذه الدعوى - أي: كون العقائد الغيبية لا تستند إلى سند عقلي - "زكي نجيب محمود"؛ حيث فرَّق أَوَّلًا بين العقائد الغيبية، وبين الفلسفة العلمية المُقَامَةِ على بناء " ميتافيزيقي" لا يمكن التحقق منه؛ بأنْ أظْهَر التسليم بالأولى، وجعل مدار التسليم بها = هو الإيمان غير المُبرهن.

وأبى القبول بالأخرى؛ بناءً على "مبدأ التحقُّق" الذي التزم به أصحاب الوضعية المنطقية، والذي يقضي بأن كل جملة لا يتأتى إمكان التحقُّق العملي من صدقها؛ فهي جملة بغير معنى؛ وإذا كانت بغير معنى = فهي "خرافة" (٢) .

وفي بيان موقفه من العقائد الدينية يقول "زكي نجيب محمود": (أمّا العقيدة الدينية فأثرها مختلف كلّ الاختلاف؛ لأن صاحب الرسالة الدينيّة لا يقول للناس: إنّني أقدم لكم فكرةً رأيتها ببصيرتي. بل يقول لهم: إنني أقدم رسالةً أُوحِي بها إليّ من عند ربّي لأبلّغها. وها هنا لا يكون مدار التسليم بالرسالة برهانًا عقليًّا على صدق الفكرة، ونتائجها المستدلة منها؛


(١) "أوليَّة العقل"عادل ضاهر (١٧٥ - ١٧٧) .
(٢) انظر: "موقف من الميتافيزيقا"زكي محمود (ط-ك) .

<<  <   >  >>